الدمار الشامل
الوطن 24/ بقلم: ياسمينة الواشيري
أصبحت وسائل التكنولوجيا والاتصال بمختلف أنواعها تغزو عالمنا بقوة لا مثيل لها، فقد اقتحمت حياتنا اليومية رغما عنا وجعلتنا ننساق وراءها، بأشكالها المتعددة غير آبهين بآثارها السلبية ومخاطرها المتعددة على أجسادنا وعقولنا وبيئتنا ومجتمعنا كله، بل والأخطر من ذلك أن تلك التقنيات الحديثة التي أذهلتنا وسلبت عقولنا أضحت محط اهتمام أطفالنا، والذين أصبحوا بدورهم شغوفين بها لحد الهوس مما يؤثر لا محالة على صحتهم النفسية والجسدية، ويشغل تفكيرهم عن كل ما يمكن أن يجعلهم يطورون من مهاراتهم الفكرية والمعرفية، وينشئون تنشئة سليمة تخول لهم الوصول إلى مراتب مهمة في المستقبل تليق بآمالنا المرجوة منهم، وطموحاتنا التي نسعى من أجلها لصالحهم كأجيال صاعدة وطاقات قد تصبح مثمرة في المستقبل.فكيف لنا تحقيق ذلك في ظل عدم حذرنا وأخذنا بزمام الأمور ؟
إنه على الرغم من الآثار الإيجابية لتلك الوسائل في التطور الفكري لأطفالنا بكونها مصدر للمعرفة بالنسبة لهم إذا تم استخدامها بشكل صحيح ومقنن وبدون إفراط إلا أن مضارها ومخاطرها متعددة مما يستوجب على جميع الآباء والأمهات استيعاب ذلك والوقوف وقفة تأمل في كل ما أصبحنا نراه من عبث واستهتار بخصوص تربية أطفالنا تربية سليمة عن طريق أساليب مهمة تجعلهم يكتسبون كل ما يمكنه أن يطور من قدراتهم الفكرية والمعرفية، و ذلك بتشجيعهم على القراءة وممارسة الهوايات المحببة لديهم وإبراز طاقاتهم الإيجابية لأن ذكاء الطفل واستيعابه يفوق توقعاتنا، بدلا من الجلوس مستخدمين الهواتف الذكية و”الأيباد” و”ألعاب البليستيشن” .
إن تلك الأجهزة الذكية أو بالأحرى ذلك الدمار الشامل الذي يهدد سلامة عقول صغارنا أثبتت معظم الدراسات على أنها لها تأثير سلبي على حاسة البصر، فمن المعروف أن العديد من الأطفال هذه الأيام مصابون بضعف النظر، ويستعينون بالنظارات الطبية بالإضافة إلى تأثيرها على الذاكرة على المدى الطويل، لأنها تجعل الأطفال يعتمدون على الأجهزة الحديثة لتذكر مجموعة من الأمور مما يؤدي إلى كسلٍ في استخدام العقل أو محاولة تدريب الذاكرة إلى غير ذلك من المخاطر المتعددة التي أصبح الجميع على معرفة بها لكن الأغلبية للأسف يتجاهلونها ولا يعطونها أهمية قصوى.
والجدير بالذكر أن معظم الأسر يغفلون عن مدى أهمية محاورة أبنائهم وخلق نوع من التواصل الدائم واللعب أيضا معهم والتقرب منهم لأن ذلك يشعر الطفل بالسعادة والارتياح ويمنحه أيضا توازنا نفسيا ويجعل من والديه مصدر ثقة لديه ويغنيه كذلك عن البحث عبر طرق أخرى والاستفسار وأخذ معلومات قد تكون خاطئة سواء من محيطه أو عبر وسائل التكنولوجيا فذلك يعزز أيضا الروابط العاطفية بينه وبين والديه ويكسبه الثقة في نفسه ويلهيه عن الشعور بالفراغ والوحدة .فكيف يعقل أن يترك الوالدين أطفالهم ينشغلون بتلك الوسائل ويجعلونها تأخذ حيزا مهما من أوقاتهم تفاديا لشغبهم وإزعاجهم مع اللامبالاة بآثارها السلبية ومخاطرها؟
فإذا كانت العولمة والتكنولوجيا الحديثة تقض مضجعنا وتسير بنا إلى اتجاه لا يحمد عقباه وتجعلنا كآلات متحركة يجب علينا أن نبذل قصارى جهدنا للتحكم في تنشئة فلذات أكبادنا، والحرص كل الحرص على توجيههم بالسبل الصحيحة ومساعدتهم على فهم الأمور بطريقة صائبة، دون أن نغفل عن مراقبتهم مع احتواءهم بالحب والاهتمام، فلا بد من زرع بذور صالحة لكي نجني ثمارا ناضجة نسعد بها بدلا من أن نجني ندما وحسرة تلازمنا طول حياتنا.