المحاكمة

الوطن 24/ بقلم: د. إدريس الكنبوري (المغرب)

صورة الرئيس الأميركي ترامب وهو يقف خلف الخبير المغربي منصف السلاوي بعد تعيينه على رأس فريق البحث عن علاج لكورونا، هي صورة معبرة.
الرئيس الأمريكي الأول الذي أهان العرب والمسلمين علنا وأمام شاشات العالم وسخر منهم ومرغ سمعة الخليجيين في التراب والفحم، يقف خلف خبير مغربي باحترام.
ترامب الذي تفاخر أمام الخليحيين بأنه يحميهم وأنهم ينتظرون منه خبرته العسكرية، يقف أمام خبير مغربي منتظرا منه خبرته العلمية.
ترامب يحاكم نفسه. وكذلك تتغير الموازين.
ولكن الصورة محاكمة لمعرفة مغشوشة كرستها العقلية المهزومة، العقلية التي سلمت تسليما بأننا متخلفون لا بد، وبأن مشكلتنا في الدين أو العقل. ولا يقول ذلك إلا ناقص دين وناقص عقل.
ولا يهم أن تلتهم أطنانا من الكتب إذا كان عقلك مختوما.
ومنذ عقود والعرب والمسلمون في قلب البحوث العلمية في أوروبا والغرب، ولكنهم كانوا دائما في الخلف لأنه لا يسمح لهم بالظهور. وكان الفلسطينيون والعراقيون في وكالة الفضاء الأمريكية ولكن لا أحد يسمع بهم. وقتل العشرات من العلماء العراقيين والمصريين سرا ولكن لا أحد يصدق.
وأمة نزل فيها القرآن يستحيل كل الاستحالة أن لا تكون في الصف الأول، ولكن القضية كانت ولا تزال في السياسة الدولية والعلاقات الدولية والمؤسسات الدولية والاتفاقيات الدولية و”التعاون الدولي”، التعاون المثمر طبعا، هم يصنعون وأنت تشتري. مثمر.
ولم أر أمة تعيد النظر كل عشر سنوات في التعليم فترجع إلى الخلف إلا هذه الأمة. ولهذا يقول الذي عاشوا قبلنا ان التعليم كان جيدا، ونحن نقول اليوم لأبناءنا إن تعليمنا كان أحسن، فكل عشر سنوات رجوع إلى الصبا.
ولم أر دعما للتخلف مثل الدعم الذي تقدمه لنا المؤسسات المالية الدولية للنهوض بالتعليم، يعطونك لتصاب بالكوليرا وأنت تأخذ.
ووسط هذا الكابوس نكفر بالناموس.
والناموس هو أن العالم مبني على القوة والخداع، فإن لم تخدعهم خدعوك. وكما أن الحرب خدعة، كذلك التعليم خدعة، والتقدم خدعة، والعلاقات الدولية خدعة.
ومن يبحث عن تخلف المسلمين في ما كتبه ابن المقفع وابن طفيل وابن آوى شخص في حاجة إلى علاج، أو على الأقل أحمق معزول عن العالم لا يفقه في ما يحرك العالم حقا، ولكنه تائه خلف المحرك الأول الذي لا يتحرك عند أرسطو. ولو عاش أرسطو نفسه حتى اليوم لفضل الديبلوماسية على الميتافيزيقا.
وهذا مثله مثل من يرد تقدم الصين إلى كونفوشيوس. فإذا هلكت كورونا الصين فأرجعتها إلى التخلف رد تخلفها إلى كونفوشيوس أيضا.
ولذلك أقول – ولا أزعم – أن أطنان الكتب التي كتبت عن تخلف المسلمين منذ الستينات تصلح فقط في الشتاء.
لإشعال النار وتسخين الجو.
فهي ليست غير صالحة بل لها فائدة وإن فائدتها لترتجى.
وحتى اليوم نشأ بيننا مثقفون عرب يعبرون عن آراء الآخرين فينا.
ولكن قليلون هم المثقفون الذين يعبرون عن آرائنا في أنفسنا.
ومع ذلك هناك مكابرون دائما. وهؤلاء سيقولون: إن الرجل مغربي ولكنه درس وتعلم في أمريكا.
إنهم يصرون على أن يجردوا المغاربة والعرب والمسلمين من أي فضل. كلما رأوا فضلا ردوه.
ونحن نقول: نعم، وأنتم تحتجون ضد أنفسكم.
لقد خرج من مناهج لا من عرق أو قومية. خرج من مناهج تعليم أمريكية، ولو درس على المناهج التي خرجتكم أنتم لكان لا يزال بيننا يتزاحم معنا ويحك رأسه باحثا عن المشكلة عند ابن المقفع وابن طفيل وابن آوى.
وكذلك من تخرج من المناهج الكورية والصينية والروسية ووو. فالمناهج لا دين لها.
والفرق أن كوريا والصين وروسيا وأمريكا لا تراجع التعليم عندما تتلقى الدعم من المؤسسات المالية الدولية. بل عندما تحتاج مراجعة.
بينما نحن لا نراجع التعليم عندما نحتاج إلى ذلك، بل عندما تحتاج المؤسسات المالية الدولية.
والمؤسسات المالية الدولية بيدهم، والعلم بيدهم، والتكنولوجيا بيدهم، والسلاح بيدهم.
ومع ذلك هناك دائما ثغرة.
ومثل هذه الصورة ترفع راية الإسلام في العالم. ألسنا نقول إن أي شخص يحقق إنجازا في الخارج إلا ويرفع راية بلده؟ فكذلك دينه.