آفاق جديدة لتعزيز التعاون بين المغرب – فرنسا: قراءة استراتجية مع الخبير أمين السامي.

يشهد التعاون بين المغرب وفرنسا آفاقاً جديدة في مختلف المجالات، وخاصة الاقتصادية والتجارية والثقافية والأمنية. كما تعد هذه العلاقة محورية بالنظر إلى الروابط التاريخية المتينة والمصالح المشتركة بين البلدين، حيث يسعى كل من المغرب وفرنسا إلى تعزيز هذه الشراكة بما يتماشى مع المتغيرات الإقليمية والدولية.
و في زيارة رسمية مهمة ، يحل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالمغرب ، وسط تطلعات لتعزيز الشراكة الثنائية وفتح آفاق جديدة للتعاون بين البلدين في ظل التحديات الإقليمية والدولية . لاستجلاء أبعاد هذه الزيارة ، نستضيف معنا السيد : أمين سامي و هو خبير الاستراتيجية وقيادة التغيير للشركات والمؤسسات . إليكم نص الحوار .

أولا الفرص الاقتصادية الرئيسية التي يمكن أن تستفيد منها المغرب من زيارة الرئيس الفرنسي:
1 ـ استثمارات جديدة : حيث تم التوقيع على اتفاقيات استثمار بقيمة 10 مليارات يورو، وهو مبلغ مهم جدا في مجال الاستثمار وسيعطي دفعة قوية في تنزيل ميثاق الاستثمار المغربي، مما يعزز من تدفق الاستثمارات الفرنسية إلى المغرب في مجالات متعددة مثل النقل والطاقة.
2 ـ توسيع البنية التحتية : حيث تشمل الاتفاقيات تطوير النقل السككي والطيران، مما سيساهم في تحسين البنية التحتية ويعزز من قدرة المغرب على استضافة الفعاليات الكبرى مثل كأس العالم 2030، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة خاصة أن البنية التحتية الأساسية خاصة النقل السككي والطيران يعتبران من المحددات الهامة والأساسية في جذب الاستثمارات العمومية والاستثمارات الأجنبية المباشرة مما سينعكس أيضا على تطوير الاقتصاد المحلي وتحريك العجلة الاقتصادية وطنيا ومحليا.
3 ـ الطاقات المتجددة : حيث تم التوقيع على اتفاقيات في مجال الهيدروجين الأخضر، وهو مشروع حيوي مستقبلي في مجال الطاقات البديلة والمستدامة، فخلال هاته السنة ل2024، وضع المغرب “عرض الهيدروجين الأخضر” الذي يهدف إلى جعله لاعبًا رئيسيًا في سوق الطاقة المتجددة العالمية، حيث يعتمد عرض الهيدروجين الأخضر، على تخصيص مليون هكتار من الأراضي، منها 300,000 هكتار متاحة للمشاريع الأولية موزعة في قطع تتراوح بين 10,000 و30,000 هكتار. كما تشمل الاستراتيجية حوافز مهمة للمستثمرين ودعماً لتطوير البنية التحتية، بما في ذلك إنشاء خطوط نقل تربط بين مواقع الإنتاج والموانئ لتسهيل التصدير
وفي هذا الإطار يسعى المغرب، من خلال هذه الخطوة، إلى بناء سعة هيدروجين أخضر تصل إلى 10 غيغاواط، مستفيدةً من الطاقة الشمسية والرياح لتوليد الكهرباء اللازمة لعملية التحليل الكهربائي.
كما تعتزم شركات كبرى، مثل “توتال إيرين” التابعة لمجموعة “توتال إنرجيز”، استثمار ما يقارب 9 مليارات يورو في مشاريع الهيدروجين الأخضر بالمغرب، لتلبية احتياجات السوق المحلي والدولي.
إلى جانب ذلك، عقدت جامعة محمد السادس متعددة التخصصات في بنجرير قمة عالمية حول تقنيات “Power-to-X” لتعزيز المعرفة والشراكات العالمية في هذا القطاع الحيوي، مما يعكس اهتمام المغرب بتحقيق الريادة في إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر إلى أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط، مما يعزز من موقع المغرب كمركز للطاقة المتجددة في المنطقة العربية والإفريقية وعلى الساحة الدولية .

ثانيا: تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين المغرب وفرنسا:
1 ـ من خلال إعادة بناء الثقة: فزيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تأتي في سياق تحسين العلاقات الثنائية بعد فترة من التوتر، مما يفتح المجال لتعزيز التعاون في مجالات متعددة ومستقبلية واستراتيجية.
2 ـ من خلال التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للقارات: حيث يمكن أن تعزز الزيارة التنسيق الأمني بين البلدين لمواجهة التحديات المشتركة مثل الإرهاب والهجرة غير الشرعية.
3 ـ من خلال التعاون الاقتصادي والثقافي والتعليمي: إن زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي ساهمت بشكل كبير جدا في تطوير العلاقات المغربية الفرنسية من خلال التوقيع على 22 إتفاقية شراكة استراتيجية تهم مختلف القطاعات الاستراتيجية والمستقبلية وستساهم في الدفع بميثاق الاستثمار وتحريك العجلة الاقتصادية وتعزيز مناخ الاعمال سواء وطنيا أو ترابيا، كما ساهمت في توسيع برامج التعاون الثقافي والتعليمي، مما يعزز من الروابط الإنسانية بين الشعبين.

ثالثا : أهم القطاعات التي يمكن أن تشهد تطوراً في التعاون:
1 ـ قطاع النقل: المغرب اليوم يتجه بشكل سريع إلى تطوير مشاريع النقل السككي والطيران والبنية التحتية الطرقية، بما في ذلك توسيع الخطوط السريعة، كما أن المغرب يفتح أوراق كبرى تتعلق بكأس العالم 2030، وهذا بحد ذاته ورش كبير جدا لما يستلزمه من استعداد واشتغال كبيرين على مستوى البنيات التحتية، وجودة الخدمات، خاصة في قطاع النقل.
كما أن تطوير قطاع النقل سيساهم في جلب الاستثمارات الفرنسية لصالح المغرب، وأيضا سيدفع شركاء جدد خاصة الاستثمارات الصينية والاستثمارات الأمريكية والروسية والبريطانية، للاستثمار في المغرب لما يتوفر عليه من مؤهلات طرقية ورقمية أولا، وثانيا بحكم قربه من الدول الأوروبية والأمريكيتين وموقعه الاستراتيجي باعتباره بوابة إفريقيا نحو العالم.
2 ـ قطاع الطاقات المتجددة: تعزيز التعاون في مجال الطاقة، خاصة في مشاريع الهيدروجين الأخضر.
3 – قطاع الصناعة: من خلال دعم تطوير صناعة أجزاء الطائرات والسيارات من خلال شراكات مع الشركات الفرنسية

رابعا : أبرز التحديات التي قد تواجه الشراكة المغربية ـ الفرنسية :

1 ـ التحديات الاقتصادية العالمية: من خلال التباطؤ الاقتصادي والتغيرات المناخية التي قد تؤثر على الاستثمارات، مما يستدعي استراتيجيات مرنة للتكيف، وتطوير مناخ الأعمال وطنيا وترابيا لجلب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
2 ـ إدارة الهجرة: حيث تحتاج السياسات المتعلقة بالهجرة إلى تنسيق أكبر بين البلدين لضمان استقرار العلاقات المغربية الفرنسية وضمان استقرار منطقة الساحل والصحراء.

خامسا : كيفية استفادة الشركات المغربية من هذه الزيارة :

1 ـ فتح أسواق جديدة: حيث يمكن أن تسهل الزيارة حركة رجال الأعمال والمستثمرين، مما يفتح آفاق جديدة للتعاون التجاري في مختلف المجالات خاصة المجالات الواعدة والمستقبلية المرتبطة بتكنولوجيات القطيعة والتحول الرقمي.
2 ـ تبادل الخبرات: من خلال الشراكات مع الشركات الفرنسية، يمكن للشركات المغربية الاستفادة من التكنولوجيا والخبرات في مجالات مثل الصناعة الخضراء والتكنولوجيا، والفلاحة الرقمية وتطوير الابتكارات مما سيساهم في تطوير مؤشر الابتكار بالنسبة للمغرب خاصة أن سنة 2024، عرفت تحسن مؤشر الابتكار حيث انتقل المغرب من المرتبة 70 خلال سنة 2023، إلى المرتبة 66 خلال سنة 2024، متقدما بأربع نقاط من أصل 133 دولة شملها التصنيف في مؤشر الابتكار العالمي.
3 ـ تعزيز التواجد في الأسواق الأوروبية: حيث يمكن أن تساعد العلاقات المتجددة مع فرنسا الشركات المغربية في تعزيز حضورها في الأسواق الأوروبية من خلال شراكات استراتيجية ومشاريع مشتركة، وتطوير منتجات وخدمات جديدة تلبي الاحتياجات للمواطن الأوروبي عامة والفرنسي خاصة .

سادسا : افاق الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء على الاستثمارات الأجنبية :
إن الاعتراف الفرنسي رسميًا بسيادة المغرب على الصحراء، شكل حدثا بارزا واستراتيجيا خاصة بعد زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بدعوة كريمة من جلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده ، حيث يعتبر اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء، تأثير ملحوظ على جذب الاستثمارات الأجنبية لهذه الأقاليم الجنوبية.
ومن بين الآفاق المستقبلية التي يمكن أن تجنيها هذه الأقاليم، نتيجة لهذا الاعتراف ما يلي :
1 ـ زيادة الثقة للمستثمرين الأوروبيين: ففرنسا تعد من أهم الشركاء الاقتصاديين للمغرب، واعترافها بمغربية الصحراء قد يعزز الثقة لدى الشركات الأوروبية للاستثمار في المنطقة، مما قد يؤدي إلى زيادة الاستثمارات في قطاعات مثل الطاقات المتجددة، والصناعة، والسياحة، والبنية التحتية.
2 ـ تحفيز الدول الأوروبية الأخرى على الاعتراف: حيث يشكل القرار الفرنسي الاعتراف بمغربية الصحراء مسألة إستراتيجية خاصة أن فرنسا تتمتع بمكانة مهمة داخل الاتحاد الاوروبي اقتصاديا وسياسيا، كما تعتبر عضو دائم في مجلس الأمن، وبالتالي هذا الاعتراف من شأنه أن يشجع دولًا أوروبية أخرى على اتخاذ خطوات مشابهة، مما سيزيد من إقبال الاستثمارات من دول الاتحاد الأوروبي بشكل عام. والاعترافات المتتالية ستدعم استقرار المنطقة وجاذبيتها الاستثمارية.
3 ـ استثمارات في الطاقات المتجددة والبنية التحتية: الصحراء المغربية تمتلك إمكانات كبيرة في مجال الطاقة الشمسية والرياح، واعتراف فرنسا قد يدفع بشركات فرنسية وأوروبية للاستثمار في مشاريع البنية التحتية الخاصة بالطاقات المتجددة، بالإضافة إلى مشاريع أخرى كالموانئ والخدمات اللوجستية، والتي تُعد نقاط قوة استراتيجية في المنطقة.
4 ـ التعاون مع المؤسسات المالية الدولية: الاعتراف الفرنسي سيسهل التعاون مع المؤسسات المالية الدولية لتمويل مشاريع تنموية في الصحراء. فثقة المؤسسات في المنطقة تعتمد إلى حد كبير على الاعتراف الدولي، مما قد يفتح الأبواب لمزيد من التمويل الدولي المدعوم بضمانات استثمارية.
5 ـ التنمية المستدامة والسياحة البيئية: يمكن للمستثمرين استهداف القطاع السياحي، بما في ذلك السياحة البيئية، كون الصحراء المغربية تُعتبر من الوجهات السياحية الفريدة التي قد تجذب السياح الأوروبيين، مما سيعود بفوائد اقتصادية ويساهم في التنمية المستدامة للمنطقة.

مراد علوي برفقة أمين سامي – خبير الاستراتيجية وقيادة التغيير للشركات والمؤسسات.