المغرب: التعليم عن بعد للتعليم الإبتدائي واقع وافاق

الوطن 24/ بقلم: كوتش هناء كندري
التعليم هو ضمير الأمم وحركية تقدمها واستمرارها، ومكون للعقول المدبرة والمسيرة والتي هي صمام الأمان، واستمرارية الفعل والتفاعل من الماضي إلى الحاضر واستشراف للمستقبل.
والتعليم عن بعد يمكن تعريفه بانه شكل من اشكال التعليم الحديثة والمتطورة، والتي واكبت المجال الرقمي في مجال التكنلوجية والتقدم السريع.
وعرفته الجمعية الأمريكية بانه عملية اكتساب المعارف والمهارات بواسطة وسيط لنقل معلومات التعلم متضمن في ذالك جميع أنواع التكنلوجية واشكال التعليم الحديثة المختلفة، وهو تلك العملية التعليمية التي يكون فيها المتعلم بعيدا عن المعلم.
فبعد نزول واقعة هذا الوباء العالمي قررت الدول اغلاق المدارس كخطوة استباقية لاحتواء الفيروس ومنعه من الشيوع بين التلامذة ومن بينهم المغرب، وهنا جاء التساؤل كيف سيتابع التلاميذ دراساتهم في ظل هذا الوضع الاستثنائي وكان التعليم عن بعد الوسيلة الحل. فما مدى نجاعة هذا النوع من التعليم؟ وعلى ماذا يرتكز؟ وما هي خصائصه ومميزاته؟ وما وضعيته بالمغرب؟ وما مدى تجاوب تلامذة التعليم الابتدائي وأولياء امورهم ومعلميهم مع عملية التعليم عن بعد؟
كل الأطر المعنية بالجوانب التواصلية كانت مجندة لإنجاح هذا الرهان وكان تفاعل وحماس لإنجاز هذا العمل بكل مسؤولية حتى لا تفوت على التلاميذ فرصة التعليم والتغلب على هاته الظروف العصيبة التي نعيشها ويعيشها العالم.
فكيف واجه المتعلم واقع تحصيله الدراسي المعرفي عبر تقنية التعليم عن بعد؟ وما مدا تجاوب معلمي المستوى الإبتدائي مع دينامية هذا المنهج الجديد؟
فاذا بدانا بالحديث عن المجال القروي فهو المتضرر الأول وفي صمت فالتعليم عن بعد لتلامذة المجال القروي ضعيف المردودية بدرجة كبيرة، اذ يفتقدون لما هو ضروري فما بالكم بالكماليات وتوفير هاتف ذكي أو حاسوب وانترنيت، هذه الوسائل التي تحول دون التواصل بين التلميذ والمعلم. وإذا تكلمنا عن ضعف شبكة الانترنيت فهذا عائق كبير نعيشه جميعنا وبشكل مميت مما يعيق التواصل بين المعلم والتلميذ اذ يجدها التلميذ سببا مبررا لعدم تتبعه واستيعابه للدرس إضافة الى عدم توفير أرضية تكوينية للأساتذة والمعلمين للتعامل مع الوسائل الالكترونية هذا لا يتعلق بمعلمي المجال القروي فحسبٍ بل حتى في المجال الحضري وبالنسبة لمعلمي التعليم العمومي والخصوصي على حد السواء. فنجد تفاوت في كفاءتهم التكنولوجية وفي توظيف المنتوج الالكتروني فالكثير منهم يعاني من عدم قدرته على عملية التعليم عن بعد بكفاءة ومهنية وخصوصا في المواد التعليمية التي تستدعي شرحا دقيقا كالرياضيات والنشاط العلمي وتطبيقات عملية في مادة التربية الإسلامية كعملية الوضوء والطريقة الصحيحة للصلاة.
وهناك تصريحات لعدد كبير من المعلمين بأنهم غير قادرين على استخدام التقنية الرقمية بطريقة تمكنهم من التعامل معها والتدريس من خلالها (حيث ان مراكز تكوين الأساتذة والمعلمين لازالت تنهج وسائل ديالكتيكية قديمة مما يحول دون تحقيق اهداف هذه العملية).
وسواء تكلمنا عن التعليم الخصوصي او العمومي وبغد النظر عن الإمكانيات المادية لدى أولياء الأمور فليس الجميع يتوفر على هواتف ذكية لكل ابناءه حيث نجد في البيت الواحد معدل ثلاث أبناء وحتى الذي يتوفر عليها لا يملك استطاعة تعبئة رصيد الانترنيت يوميا واختيار هاتف يضم تحمل الصور والتسجيلات المرسلة المتعلقة بشرح الدرس من طرف المعلم وكلما كان الهاتف له طاقة استيعابية أكثر كلما ارتفعت تكلفته.
اما بالنسبة للتلاميذ فنجد تقاعس كبير بسبب الملل والروتين والمكوث في المنازل وعلمهم بأنهم غير مطالبين باجتياز امتحانات واختبارهمٍ، اذ معظمهم لا يتجاوب مع المعلم مع العلم اننا للأسف نكون ابناءنا لاجتياز الامتحان فقط وكل هم الاباء هو النقطة كيف ما كانت طريقة الحصول عليها وكلنا على علم اين وصلت جرأة الغش في الامتحانات الوطنية وهذا كله ناتج التربية.
فالتلميذ يمكن ان يهمل شرح الدرس و تشتت انتباهه أولا بالجلوس الطويل امام الأجهزة الالكترونية لمدة ثلاث او اربع ساعات و ثانيا لكثرة المغريات الرقمية و الاشهارات التي تظهر على الحواسب التي تشتت تركيز التلميذ بخلاف الفصل الدراسي الذي يبدع فيه المعلم والتلميذ و الذي يلعب فيه الحضور و لغة الجسد و نبرة الصوت و حركة الايدي دور كبير لكسب المعلومة خصوصا في المستوى التعليمي الاولي و الذي يكون فيه التلميذ في هذه المرحلة بصري اكثر حيث توصل العلماء و الباحثون الى ان التواصل البصري في سن الرابعة الى العشر سنوات يزيد من بناء شخصية قوية و ثقة بنفس عالية بتوظيف التعبير و الحديث و ابداء الراي و هذا ما يمنح الأطفال مهارات التواصل اللازمة و تكوين شخصية سليمة هذا ما نجده عائقا اخر في التعليم عن بعد.
نجد أيضا بعض التلاميذ يتملصون من الدراسة عن قرب فكيف نلزمهم بالدراسة عن بعد و يكون مسؤولا، مع العلم اننا في وقتنا المعاصر نربي ابناءنا على انعدام المسؤولية و الاتكالية فكيف يمكن إعطاء مسؤولية ابن سبع او ثمان سنوات لتتبع دروسه عن بعد مع العلم ان الام و الاب يتوجهون الى العمل و مثال حي عن ابني الذي في الصف الثالث كان لديه صديق و ام هذا الصديق هي التي تدرسهم مادة الفرنسية، يقوم هذا الطفل هو وابني بتثبيت لعبة من اللعب المشهورة المدمرة لأدمغتهم وفي اعتقاد هذه الام المدرسة ان ابنها و باقي الأبناء يتابعون الدرس و امثلة كثيرة على هذا المنوال.
فالمعلم يقف حائرا في ضبط صفه عن قرب وفي العالم المادي بكل الوسائل المتاحة فكيف يستطيع في العالم الافتراضي تتبع التلميذ وضبطه فهناك تلاميذ كل همهم الشغب والتشويش وعرقلة الدرس بشتى الوسائل
هذا ما يحتاج لتظافر الجهود بين المعلمين والاباء ورغبة التلميذ وتغير النمط الخاطئ للتربية وزرع فيه حب العلم والمعرفة.
خلاصة لواقع التعليم عن بعد هذه التجربة في هذه الأشهر على اننا لا نملك لا مؤهلاته ولا وسائله ولسنا اهلا له “ولسنا اهلا له” كلمة قاسية لكن تتضمن للكثير ” الطفل – الاباء – نمط التربية – الضمير المهني وغيرها من الأمور وهذه التجربة تضرب في المبدأ الذي جاءت به الرؤيا الاستراتيجية 2015-2030 من اجل مدرسة الانصاف والجودة والارتقاء بالفرد والمجتمع الذي يقضي بتحقيق الانصاف وتكافؤ الفرص بين جميع المتعلمين.
اما إذا تكلمنا على افاق وإنجاح هذا النوع من التعليم وكيفية الاستفادة منه لتطوير المنظومة التعليمية فلا بد أولا من توفير الوسائل التقنية والتواصلية التي تكون فيها الوسائط الرقمية هي البطل. فالقرن 21 هو قرن الذكاء الاصطناعي لما يشهده من مركزية الآلات الإلكترونية في حياة الانسان المعاصر، هذا الإنسان الذي اضحى يتأرجح بين الحياة الافتراضية وأخرى واقعية.
والعالم متجه اليوم للتعليم عن بعد كمكمل ضروري للتعليم عن قرب او قد يكون التعليم عن قرب في السنوات القليلة القادمة هو المكمل والأساس هو التعليم عن بعد.
وهذا ينسجم نسبيا مع التطور الذي تعرفه البيداغوجية الحديثة في السنوات الأخيرة وهو ما يعرف بالبيداغوجية المعكوسة، اذ يعد التلميذ درسه عبر المواقع الالكترونية ثم يطلع المعلم أو المدرس عليها للتصحيح والتقويم.
هذا يرفع كفاءة المتعلم ويزيد من حس المسؤولية لديه ويجعله يتجاوز التلقي التقليدي إلى المشاركة الفاعلة والتعليم الإبداعي.
والتعليم عن بعد تقنية حديثة وممتدة ولها اكيد إيجابيتها، أولها ابتكار أنماط تعليمية جديدة تخدم المنظومة التعليمية بطريقة مبتكرة في إطار ما أطلق على الاستمرارية البيداغوجية والتحرر من قيود الزمان والمكان والظروف لضمان حق التلميذ في التعلم مما يشكل فرصة امام العديد من دول العالم ومنهم المغرب للانطلاق نحو بناء رؤية الاستراتيجية الرقمية البيداغوجية والتعليم عن بعد أحد اهم هذه الأنماط.
فهو محور اهتمام اعرق الدول الامريكية و الكانادية و البريطانية لما له من إيجابيات مستقبلية، وخصائصه هو توفير الدراسة و التعليم المستمر لمن لا تسمح لهم قدراتهم أو امكانياتهم بمواصلة التعليم لأسباب ربما تكون إجتماعية كحادثة أو إعاقة أو تكون إقتصادية أو موضوعية كاكتظاظ حجرة الدرس، وتمكين التلاميذ من الدراسة في الوقت المناسب ” وبالنسبة لتوقيتنا الصيفي لن يكون التلميذ مجبر للذهاب الى المدرسة في الصباح الباكر و يعم الظلام مع طول المسافة للوصول الى المدرسة و عرقلة الطريق، اذ يصل التلميذ و نفسيته منحطة للاستيعاب المعلومات و اكتساب المعرفة، هذا اذا وصل سالما معافى.
فهذه التقنية من التعليم ممكن أن تعطي فرصة للتلميذ لإعادة الدروس مرات عديدة بحكم الشرح المسجل الذي يمكنه الاستيعاب والفهم في جو من الهدوء والسكينة دون حرج التلميذ من زملائه والخجل لعدم فهمه وتأخره في استيعاب المعلومة ومن إيجابيات هذه التقنية أيضا إيصال عدة معلومات في ظرف وجيز واختصار الوقت والجهد وتوفير مصاريف عديدة.
ويبقى السؤال مفتوحا: كيف يمكن للمعلم ان يقيم إلى أي حد يكون تجاوب التلميذ مع هذا التعليم عن بعد وما مدا نجاعة هذه التقنية وكيف يعرف المعلم بالفعل ان التلميذ إذا ما استوعب المعلومة أم لا؟
وحتى لو كان اختبارا هل أجاب فعلا لأنه فهم وتمكن من الإجابة ام ان اجابته الصحيحة تمت عن طريق الغش فعملية التعليم عن بعد قد تعطي اكلها في المسالك الجامعية التي تعتمد كل طرق الالقاء والمحاضرات ولها إيجابيتها والتي نفتقدها تماما في التعليم الابتدائي على الخصوص.
وللتعليم عن بعد بالنسبة للمستوى الابتدائي اين ستتمركز التربية؟ فالمدرسة تأخذ حيزا تربويا كبيرا في حياة الأبناء لأنها هي المكان الذي يتعامل فيه الطفل مع اقرانه الذين يشبهونه في العمر والإهتمامات والثقافة والسلوكيات وكل هذه عوامل فاعلة وصانعة لشخصية الطفل ،إضافة كما قلنا في السابق تعامل التلميذ مع المعلم كمصدر للمعلومة وميسر للوصول لها وتصحيح الكثير من العراقيل التي يوجهها التلميذ كالنطق و طريقة الإجابة و لغة الجسد ونبرة الصوت و التخلص من الخجل و غيرها من الأمور، فالمدرسة فاعلا تربويا تعليميا في حياة الطفل فيها يتعلم كيف يكون صداقات كيف يتواصل مع اقرانه و ينمي قدراته و معارفه وهذه الأمور ليست متاحة داخل المنزل ،لان التربية هي تواصل و تعامل وتصحيح أخطاء، وهي تجربة إنسانية تتفاعل فيها قيم و معتقدات و ممارسات خاطئة وأخرى صحيحة والإنسان إجتماعي بطبعه، إذ لا يمكن تحقيق هذا داخل عالم مغلق، والتعليم دون نتاج تربوي تكون نتيجته غير مرضية على الفرد و المجتمعات من عنصرية احتقار استعلاء انطواء إلى غير ذلك.
فكل هذه الإشكاليات وغيرها تجعل عملية التعليم عن بعد صعبة التطبيق و التنزيل في ظل الاكراهات و الأوضاع الاجتماعية الهشة، الامر الذي يتطلب من المسؤولين عن هذا القطاع العمل على انجاز أبحاث و دراسات و عقد ندوات وطنية و دولية للرقي و النهوض بهذا النوع من التعليم و توفير كافة الشروط المطلوبة و الاستفادة من تجارب الدول الرائدة في هذا المجال و توفير الوسائل الديداكتيكية والبيداغوجية للمتعلم لأنه هو الحجر الأساس لجميع البرامج الفعالة للتعليم عن بعد فهو المقياس الذي يتم على أساسه التقويم كل جهد يبدل في هذا الحقل، وتحقيق مبدأ الإنصاف و تكافؤ الفرص من خلال دعم الأسر الضعيفة، حتى تتمكن من مسايرة الفئات الميسورة .