المغرب: المستندات الدستورية لحالة الطوارئ الصحية “نموذج تعامل السلطات العمومية مع منطقة الغرب”.

الوطن 24/ بقلم: خالد شخمان: باحث في القانون العام والعلوم السياسية

توطئة دستورية:  إلزامية نشر القوانين وتبليغها ضمانة للحقوق والحريات.

يدعو الدستور المغربي بدءا من فصوله الأولى إلى الامتثال المتساوي للقوانين، ويحث السلطات العمومية على “توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم…”: وبرهان هذا الضمان هو إلزامية نشر القوانين ووجوب تبليغها.(الفصل 6 من الدستور) من غير حجب للمعلومة أو تقييدها “إلا بمقتضى القانون”  (الفصل 27 من الدستور)

وهو أمر أقره المشرع الدستوري لكيلا تحتج السلطات العمومية بحالات الاستعجال والطوارئ فتَحول وتَحقُّق المواطنين من حرياتهم وحقوقهم السياسية. لأن الدور الأصيل لهذه السلطات هو ضمان “سلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع” (الفصل 21 من الدستور) حيث “لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية، أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة من الكرامة الإنسانية” (الفصل 22 من الدستور).

فإذا كان الملك -بوصفه أعلى سلطة في البلاد- يمارس اختصاصاته الدستورية – حين إعلانه “حالة الاستثناء” (الفصل 59 من الدستور) أو “حالة الحصار” (الفصل  74 من الدستور)-  بما يراعي ضمان الحريات والحقوق المنصوص عليها في الدستور،  فإن الولاة والعمال –باعتبارهم ممثلين للسلطة المركزية في الجماعات الترابية-  لا يستطيعون التذرع بحالات الطوارئ لتبرير تجاوزهم للقانون. لأن صلب عملهم ومهامهم أن يعملوا باسم الحكومة على “تأمين تطبيق القانون” (الفصل 145 من الدستور)؛ فضمانات استعمال الملك لاختصاصاته الدستورية في أزمنة الاستثناء تشكل خارطة طريق يتوجب التقيد بها من قبل باقي مكونات السلطة التنفيذية، إذ بحسب الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.75.168 بتاريخ 25 صفر 1397 (15 يبراير 1977) المتعلق باختصاصات العامل، فإن العامل يعتبر مندوب حكومة جلالة الملك “في العمالة أو والإقليم الذي يمارس فيه مهامه”. حيث يسهر على تطبيق الظهائر الشريفة والقوانين والأنظمة وعلى تنفيذ قرارات وتوجيهات الحكومة في العمالة أو الإقليم”. لأن مهامه التي يباشرها ضمن حدود اختصاصاته إنما تتم طبقا للقوانين والأنظمة المعمول بها (الفصل 2 من ظهير 1977 المتعلق باختصاصات العامل). وبهذا يغدو تكليفه “بالمحافظة على النظام في العمالة أو الإقليم” ومده بسلطة “استعمال القوات المساعدة وقوات الشرطة، والاستعانة بالدرك الملكي والقوات المسلحة الملكية” مضبوطا بمدى تطبيقه للشروط “المحددة في القانون” (الفصل 2 من ظهير 1977).

نموذج “دولة الغرب”: معاكسة لتوجهات صاحب الجلالة وتعسف على الدستور.

إذا كانت الحريات والحقوق تتحدد وتتأطر على هدي القاعدة الدستورية بوصفها أسمى وثيقة تعاقدية في البلاد، فإن الحالات الاستثنائية تكون هي المحك الحقيقي الذي يضبط حركة وسلوك السلطة التنفيذية ومدى احترامها لبنود التعاقد الدستوري. وحيث أننا نشير بكل اعتزاز إلى نجاح المغرب في تحويل الخسائر الاقتصادية والمالية والصحية التي خلفتها حالة الطوارئ الصحية إلى مقوم قوة أينع سلوكا حقوقيا موفِّقا ومولِّفا إلى حد كبير بين المقتضيات الحقوقية التي تقتضيها الوثيقة الدستورية وبين المقتضيات الاستعجالية التي تقتضيها الظروف الاستثنائية أكانت صحية أم غيرها، نتيجة تظافر جهود كافة المتدخلين وعلى رأسهم المبادرات المتميزة التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس شافاه الله وعافاه.. فإننا نثير بعض الاستثناءات المعزولة التي عكرت صفو هذه الإشراقات الحقوقية كمثل تلك التي عرفتها منطقة الغرب من خلال ما عرف “ببؤرة للاميمونة”.

وحيث أن المقام لا يسمح بالاستفاضة في الحديث عن اختصاصات العمال، فإن الاكتفاء بتلك المتضمنة في الظهير الشريف (1977) السالف الذكر، وتلك المخولة لهم استصدار قرارات استعجالية واستثنائية تنسجم مع خطورة الوضع الوبائي والحفاظ على النظام العام الصحي (كما هو محدد في المادة الثالثة من مرسوم 2.20..293 الصادر بتاريخ 24 مارس 2020 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا- كوفيد 19. وكذا المرسوم الملكي رقم 65 – 554 الصادر بتاريخ 5 يوليوز 1967 والمتعلق بوجوب التصريح ببعض الأمراض واتخاذ تدابير وقائية للقضاء على هذه الامراض)؛ مرده إلى الاقتناع الراسخ –أخلاقيا على الأقل- بجدوى تمتيع السلطات العمومية أكانت مركزية أم جهوية أم إقليمية أم محلية بأحقية التعبير عن المصلحة الصحية الفضلى للوطن والمواطنين، من خلال تمكينها من الأدوات القانونية والوسائل التنفيذية التي تسهل ضمان استتباب النظام العام الصحي: فهذا أمر لا يعاكسه إلا مكابر أو أحمق.

لكن المعيب هو التغافل عن ذاك البند الهام في القاعدة القانونية –كأولى الدروس المقدمة لطلبة العلوم القانونية- المتمثل في إلزامية نشر القوانين وتبليغها (الفصل 6 من الدستور): حيث لم يضطلع المواطنون لما يفوق الإثنى عشر يوما من الحجر الخانق على منطقة الغرب على أي بلاغ أو وثيقة يوضحان المجال الترابي للحجر ولا مدته ولا الإجراءات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية والمالية المصاحبة له (المادة الخامسة من مرسوم الطوارئ الصادر 23 أبريل 2020)، فقد تم كل هذا بشكل فجائي وبدون مراعاة للهشاشة الاجتماعية والاقتصادية لأبناء المنطقة، خاصة فئة المياومين والتجار في القطاعات غير المهيكلة والفلاحين. فرغم خاصية التدبير الاستعجالي والاستثنائي لحالة الطوارئ الصحية، فإن مرسومها المؤطر (قانون رقم 2.20.292 بتاريخ 23 مارس 2020). لا يخول للحكومة اتخاذ التدابير الضرورية لحفظ الصحة العامة إلا وفق مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات معلنة.” (المادة الثالثة – الجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر)، ناهيك بأن اختصاصات العامل يجب أن تنضبط لتلك الاستثناءات المقررة في المادة الثانية من مرسوم 24 أبريل 2020 الخاص بكوفيد 19 والتي تمنح بعضا من حرية التنقل والحركة لحالات الضرورة القصوى (صحية ومهنية…).

إن “دولة منطقة الغرب” أضحت تتقدم بحسبانها مؤسسة فوق المؤسسات ودويلة داخل دولة المغرب وسلطة فوق باقي السلطات، فهي تجاهر –كعادتها- بمعاكسة منطوق الدستور وروحه، مثلما تكابر في تغافلها وتجاهلها لخطابات جلالة الملك وإرادته. فكيف يعقل أن المخطط الاستراتيجي الذي وُقع تحت حضرة عاهل البلاد ما زال يراوح مكانه رغم أنه لم تعد تفصلنا عن نهاية مدته سوى القليل من الشهور؟؟ وكيف يعقل أن يستشري الفساد في منطقة الغرب الغنية بثرواتها ومقدراتها ومواردها البشرية والطبيعة لدرجة تلاعب البعض في الدعم المقدم للمتضررين من حالة الطوارئ الصحية؟؟ وكيف يعقل أن يغض الطرف عن أوامر صاحب الجلالة بتعميم التحاليل على الوحدات الصناعية وتشديد المراقبة عليها؟؟ بل الأنكى والأمر أن تتم الاستهانة بأولى الحالات ويتم التراخي والإخلال بالمسؤوليات إلى حين استفحال الأمر ووشوك خروجه عن السيطرة. ويا ليتهم توقفوا عند هذه الحدود بل إنهم ضربوا دستور البلاد وظهائر عاهلها وخطبه ووصاياه التي تدور على احترام الانسان/ المواطن والتعامل معه على هدي القانون: بيانا وإخبارا وإعلاما. ومن ذلك أنهم طوقوا منطقة بأكملها من دون سابق إنذار، وخنقوا الحركة داخلها دون مراعاة لما أقره قانون الطوارئ ذاته من استثناءات (الضرورة القصوى) فلا حالات الحوامل والمرضى استرعت انتباههم ولا حالات الموظفين وذوي الحاجات والضرورات غلَّبت لديهم فقه القوانين والمؤسسات على فقه الأوامر والتعليمات.

محصول القول:

لقد شكلت منطقة الغرب نموذجا فريدا في التعاون مع السلطات عبر كل الأزمان. وفي زمن كورونا أبدعت قواه الحية المقاربات والتحركات من أجل الحفاظ على المنطقة خالية من الفيروس لما يقارب التسعين يوما: حيث ساهمت الجمعيات والأفراد وبعض المؤسسات في حملات التعقيم والتوعية بخطورة المرض، ودعوا الناس -جنبا إلى جنب مع السلطات العمومية- إلى الالتزام بقواعد السلامة الصحية والانضباط لمختلف القرارات. كما عرفت المنطقة تآزرا منقطع النظير بين الناس: تعاونا على الخير وعلى نوائب الدهر الكوروني القاسي.. لكن –وضدا على منطق الأشياء- آثر قادة “دولة الغرب” التنكر لكل هذه الجهود المبذولة والتعامل مع المنطقة بجحود ونكران كان بالإمكان تجاوزه بخط بلاغ أو إخبار وتلاوته على الناس مع مراعاة هشاشة التجار وبعض الفئات كما فعلت السلطات في مدينة أسفي. فدولة المؤسسات لا يمكن بناؤها إلا باستدامة الثقة بين المواطن وباقي السلطات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *