المغرب: وكان رئيس الحكومة شخصا ضعيفا

الوطن 24/ الدكتور خالد العسري .

د.خالد العسري

– ما تم تسريبه من مواد تتعلق بمشروع قانون 22.20 المتعلق بشبكات التواصل الاجتماعي والشبكات المماثلة يثير الرعب من مستقبل مملكة تتقدم واثقة الخطو في مرحلة انتقالية من نظام سلطوي إلى … نظام شمولي.

– إن العين لا تخطئ حجم التراجعات المتراكمة التي تمس المسار  الحقوقي بالمغرب، والتي كان من أبرز عناوينها: التعامل المستبد مع الحراك الاجتماعي لأهلنا في الريف، والاعتقالات المتتالية لأصحاب الرأي الحر من الصحفيين والمدونين، واستغلال الوظيفة العمومية للانتقام من توجه سياسي بإعفاء أطره من مراكز المسؤولية الإدارية.

– لقد كان الشاهد على كل هذه الانتهاكات وغيرها رواد شبكات التواصل الاجتماعي، الذين استطاعوا أن يكونوا الشهود على المرحلة بالتدوين والصوت والصورة، لذلك يبدو مشروع القانون 22.20 هو المقصلة الجماعية لكل المواقف المستقلة التي تصنع رأيا عاما مناوئا لكل الاختيارات السلطوية: السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

– يبدو مشروع القانون “التشريع الخطيئة” للسلطة التنفيذية  في “الزمن  الصحيح”.

1 – أما كونه في الزمن السلطوي الصحيح، فذلك يعود لسياق الجائحة التي تضخمت فيه السلطة الحكومية في أعتى الديمقراطيات، أما في المغرب فقد تغولت بتوقيع على بياض من مؤسسة تشريعية ثبت في أمرها أن الدفاع عن كرامة المواطنين، والخوف على حرياتهم آخر ما يمكن أن تنتبه إليه.

– وهو في الزمن السلطوي الصحيح، لأن الزمن جاد برئيس حكومة مطواع ميسر لما تأمره به الأجهزة النافذة، وقد كان مبتدأ رئاسته للحكومة شبهة أنه   بنعرفة حزبه، ثم توالت خرجاته: السلطة النافذة تقرر وهو يتبنى.

– فعل رئيس الحكومة ذلك مع: “ساعة رونو”، وتغير تشكيلته الحكومية لأكثر من مرة، والقانون الإطار المتعلق بالتعليم، ولجنة النموذج التنموي، وبلاغ الداخلية الذي استولى على اختصاصاته وأعلن عن الحجر الصحي قبل أن يتدارك العقلاء الأمر ويصدروا مرسوم قانون، واستبعاده من لجنة اليقظة الاقتصادية المتعلقة بتدبير الجائحة… وما تناسيناه، وما نسيناه، وما لا علم لنا به.

– مع رئيس حكومة مطواع بهذا الشكل، فإنه يمكن للسلطة النافذة أن تصوع مشروع القانون، ثم يتحمل هو كل أوزاره، وذلك لأن  الوزراء يقومون بنص الدستور “بأداء المهام المسندة إليهم من قبل رئيس الحكومة” (الفصل 93)، وكل مجلس حكومي إنما ينعقد تحت سلطته (الفصل 92)، كما أن رئيس الحكومة من يحيل كل مشروع قانون على البرلمان (الفصل 78)، ولو افترضنا أن رئيس الحكومة مارس صلاحيته بعدم التقدم بأي مشروع قانون يتعارض واقتناعاته بالإصلاح من الداخل لكفانا من كل قيل وقال، ولكن ثبت أن السذج الأغرار وحدهم من يُكذٍّبون الوقائع؛ ويثقون بالشعار.

2- وأما كونه “التشريع الخطيئة” لأن أي تشريع يحقق جودته وإيجابيته باستجابته إلى ثلاثة شروط: أ- مسطرة تبنيه،  ب- ومضمونه، ج- ونتائجه.

أ- فإذا كانت مسطرة التشريع الديمقراطي يحكمها منطق الشراكة مع كل من يستهدفه مشروع القانون، كما يتم تمكين العموم من مسودته، فإن الملاحظ في مسطرة تبني مشروع القانون 22.20 كونها مسطرة مهربة، والمشروع سري للغاية، فلا حوار ولا شراكة ولا هم يحزنون. ثم ألا يفترض في “الحكومة السياسية” أن تتداول الهيئات المقررة للأحزاب في مشروع القانون لكونه يمثل توجهاتها؟ فما بال من في المراكز القيادية للأحزاب الحكومية يشاركوننا جهلنا وعدم علمنا بما يخطط لنا !!

ب- وأما ما يتعلق بالمضمون، فأكبر من الكارثة، والمضامين المرعبة هي التي تفسر المسطرة التداولية السرية في مشروع القانون، وإلا فما معنى تجريم كل من يدعو إلى مقاطعة شركات تجارية همها الربح ولا شيء غير الربح؟ وما معنى  الحصول على ترخيص لإحداث صفحة عمومية؟ وما معنى الحكم على من نشر خبرا زائفا -وهو يظنه خبرا حقيقيا- بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين؟…

ج – أما ما يتعلق بنتائج مشروع القانون فهي سقوط ورقة التوت عن السلطوية لتتحول إلى نظام شمولي يحبس الأنفاس والتدوين، وهو ما سيكون مآله ما قد نتوقف عنده في تدوينتين لاحقتين، عنوانهما: (مأزق منطق “الإصلاح من الخارج”، و “مشروعية التبن في القبضة الحديدية”).

– لكن هل من داع حقا لمثل هذا القانون المقيد لحرية التعبير في الفضاء الافتراضي بعد أن ألغي الحق في التعبير في الفضاء الواقعي؟

– لا أبدا، فالحرية أصل وتقييدها استثناء. وإن كان من ادعاء بضرورة تحصين الفضاء الافتراضي من الجرائم التي تمس النظام العام، والأسرار المهنية، والحياة الخاصة… فإنها محصنة وزيادة من خلال ترسانة قانونية متنوعة، سواء ما تعلق منها بأحكام مجموعة القانون الجنائي كما تم تعديله (المواد: 179، 187، 285…)، والقانون المتعلق بالمسطرة الجنائية كما تم تعديله (المواد 303، 466…)، والقانون المتعلق بحرية الأسعار والمافسة (المواد 76، 77…)، بالإضافة إلى المواد الواردة في قانون الصحافة.

– إذن ما الهدف من مشروع قانون 22.20؟

– عود على بدء:

– ما تم تسريبه من مواد تتعلق بمشروع قانون 22.20 المتعلق بشبكات التواصل الاجتماعي والشبكات المماثلة يثير الرعب من مستقبل مملكة تتقدم واثقة الخطو في مرحلة انتقالية من نظام سلطوي إلى … نظام شمولي.

ملاحظة:

– كنا في رمضان زاهدين في الاشتغال بالسياسة اليومية، وكان العزم منعقدا على التنوير بالتذكير بالرقائق التي ترفع المرء إلى مقام العبودية الحقة لله رب العالمين، لكنهم أبوا إلى أن يذكروننا أنهم حريصون على أن ندخل حظيرة العبودية الطوعية أو القسرية بمثل هذه القوانين، ومن أعظم شعائر الدين عدم الصمت على شناعة مثل هذه المظلمة التي تريد صلب حرية التعبير في فضائنا الافتراضي.