المغـرب: حـــوار هادئ حـول الفـائـض في مـيـزانـيـة جماعة سـوق الأربعـاء بـيـن الـحـقـيـقـة والــواقـع.

  عندما يتعلق الأمر بميزانيات الجماعات المحلية يحتاج الأمر إلى منطق قانوني ومرجعية مسطرية لمناقشة الأرقام المالية التي تشكل عصب الميزانيات المتكونة من أضلاع محاسباتية قوامها ركنين أساسين هما المداخيل والمصاريف الناظم فيها اعتمادات مالية مبوبة حسب أصول الصرف مقسمة بشكل متدرج يتيح للآمر بالصرف التقيد بالالتزامات والقيود المصرفية لإحداث التوازن المطلوب بين واجبات المداخيل ومتطلبات المصاريف وفق آلية حسابية منهجية، وبناء عليه لنفترض أن الميزانية العامة السنوية لجماعة سوق أربعاء الغرب هي خمسة مليار سنتيم وأن عمليات الصرف ترتبط بالالتزامات الإجبارية التي تستهلك ما يقارب نصف الميزانية فضلا عن باقي المصاريف الأخرى المرتبطة بباقي الاعتمادات المالية حسب برنامج الإنفاق السنوي والكل يستغرق كل الميزانية، فمن أين يأت الفائض المالي؟ ما مصادر تمويله؟ وكيف تم تحصيل هذا الفائض؟ وهل الفائض قيمة مالية تراكمية عبر سنوات أم أنه خاص بسنة مالية واحدة؟ وهل يقبل أن يشكل الفائض نصف الميزانية السنوية؟

بداية ينبغي التفريق بين الفائض والباقي استخلاصه، يعلم المتابعون  للشأن الوطني الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المغربية فيما يتعلق بالتحصيل الضريبي وأحجام الإعفاءات ذات الصلة لتشجيع الأداءات الضريبية لدى الدائنين مع تحديد مهلة نهاية سنة 2024 آخر أجل للتحصيل مع ما رافق ذلك من حوافز شجعت فئة عريضة على الاستفادة من قانون الإعفاء، معنى هذا أن الدولة بكل اجهزتها الرقابية أسدت خدمة معتبرة في جزء من نتائج هذه العملية للجماعات المحلية التي تقاعس الكثير منها عن تحصيل الباقي استخلاصه الذي يقدر بالملايير، بمعنى أن ما عجزت عنه الجماعات المحلية في جباية الباقي استخلاصه قامت به الدولة وهو تحصيل جبائي تراكمي على مدى سنوات طويلة من الفشل والعجز وأشياء أخرى ليس هذا مقام التفصيل فيها. إذن الباقي استخلاصه من هذه الزاوية ليس فائضا ماليا تحقق خلال سنة مالية واحدة. وإنما هو تحصيل ضريبي للباقي استخلاصه قامت به أجهزة الدولة المغربية بالنيابة عن تلك الجماعات الفاشلة جبائيا ولا يمكن اعتباره بأي حال فائضا يمكن التباهي به حيث من غير المقبول أن تنجز جماعة لا تتعدى ميزانبتها السنوية 5 مليارات فائضا يبلغ حوالي 3 مليار، هذا مخالف للمنطق المحاسباتي تماما.

وحتى إذا ما سلمنا أن هذا فائضا حقيقيا فلا بد من مساءلة الجزء المتعلق بالإنفاق المرتبط بالمصاريف الإجبارية والديون وباقي النفقات التي تؤطرها الاعتمادات المبرمجة في مشروع الميزانية لأن مناقشة الحساب الإداري يقف عند الإنجازات والإخفاقات، فماذا أنجز من مشاريع؟ وما كلفته المالية؟ ولماذا لم يتم الإنفاق على المشاريع؟ لماذا تكدس الجماعة نصف ميزانيتها دون إنفاق؟

هناك إذن خلل ما يتعلق بعدم الإنفاق، إذ ما وجد المال إلا من أجل أن يتم إنفاقه، فهل حققت الجماعة كفاياتها من المشاريع وحققت التنمية المطلوبة وانجزت المشاريع بالتمام والكمال وما فضل من أموال زائدة عن الحاجة احتسبته فائضا؟

إن واقع الحال يشي بعكس ذلك حيث المشاريع معطلة والبنية التحتية متهالكة والتنمية متعثرة وحاجة المجال الترابي إلى نفقات بالملايير لردم الهوة بين الادعاء والواقع إذ ان كل البراهين الماثلة للعيان تشهد بان الجماعة تعيش تهميشا تنمويا غير مسبوق وان ما تم رصده من ميزانيات لم يف بشروط التنمية المطلوبة.

هناك سؤال جوهري ينتصب أمام المتتبع للشأن المحلي، ماهي المصادر المالية التي جاء منها الفائض؟

قد يغلب على الظن جراء الانتقائية التي حاول البعض تسويقها تتعلق بمجهود فردي أحادي ما فتىء يلغي  كل مشاركة فعالة في تجويد الأداء ويحاول أن ينسب كل شيء لنفسه ويطمس كل فعل تشاركي في المحصلة النهائية لأي جهد جماعي، وربما بسبب عدم ارتقاء الفاعلين إلى مستوى اللحظة الوطنية ومستوى النقاش الواقعي الذي يجب أن يساءل التجربة الجماعية تشرع الأفواه للتبجح بما لا تعرف ولا تفهم لأن الحقيقة محجوبة عنها في تتبع العمل الجماعي وغير مشاركة فيه ولا تعلم بمجرياته إلا عندما تأت للدورات لتؤدى دورها النمطي والروتيني في ترديد ما يريده صاحب القرار الذي يستبد بكل شيء ولا يترك لأي رأي أن يتبلور ليصنع لحظة نقاش حقيقية عبر التعتيم والتشويه وتزييف الحقائق.

وخلاصة القول إن هناك انتظارات كبيرة تتعلق بالتنمية التي هي التحدي المركزي لكل مجلس جماعي يحترم نفسه ويحترم ساكنته ويحترم الذين يفترض أن يكون قد أعطوا أصواتهم لينعموا بجماعة تتحقق فيها انتظاراتهم في التنمية، لكن واقع الحال يساءل القائمين على الشأن المحلي لأن أشياء كثيرة عالقة دون إنجاز والقليل الذي تم إنجازه تتقاذفه أسئلة حول الجودة والمطابقة والملائمة واستيفاء المعايير القانونية، ولعل حجم الانتظار المتعلق بالكلفة المالية التي تقدر بالملايير المخصصة لتنمية مدينة سوق أربعاء الغرب في المخطط الاستراتيجي للتنمية المستدامة لا تعكس حقيقة هذا الانتظار وتظل أسئلة كثيرة معلقة ربما سيأت وقت لتتكشف بعدما أصبح برنامج التنمية بإقليم القنيطرة عامة وسوق الأربعاء موضوع مساءلة.

وبناء عليه فإن على القائم على الشأن المحلي مراجعة أسلوب ترويجه فلقد ولى الزمان الذي يسخر منه البعض بعقول الناس لأن المعلومات أصبحت متاحة أمام الجميع في عالم متغير أصبحت فيه المعلومة التي يريد البعض حجبها عن الناس متاحة بالقدرالذي يجعلهم يتتبعون ويراقبون ويسائلون ويحاسبون بما يمنحهم القانون من حقوق وواجبات جعلت من ممارسة الشأن المحلي مسؤولية وإلتزام ربما على البعض أن يستوعب هذا التحول الذي تشهده بلادنا التي تنزع نحو الانضباط للقوانين وربط المسؤولية بالمحاسبة.