المغـرب.. من الديمقراطية إلى العائلات السياسية: المجالس تحت الحصار.

في المغرب، حيث يُفترض أن تكون الانتخابات وسيلة للتداول الديمقراطي، تبرز ظاهرة مثيرة للجدل: عائلات سياسية تستحوذ على المناصب وتعيد إنتاج نفوذها داخل المؤسسات المحلية، لتتحول المجالس المنتخبة من فضاءات لخدمة المواطنين إلى أدوات لتقاسم الريع والمصالح.

الأب القائد يعتلي المشهد بصفته رئيساً للمجلس الإقليمي ورئيساً لمجموعة جماعات، ما يمنحه سلطة واسعة على القرارات التنموية والمالية. وإلى جانبه، تتولى الأم الرئيسة رئاسة مجلس جماعي، في ازدواجية تكشف كيف يمكن أن يتحول البيت الواحد إلى مركز نفوذ متعدد الاتجاهات.

أما الأبناء الورثة، فقد ساروا على خطى الوالدين: الابن يجمع بين رئاسة مجلس محلي وصفة نائب برلماني، بينما تشغل إحدى البنات منصب نائبة رئيس المجلس الإقليمي، وأخرى نائبة رئيس مجلس جماعي. وحتى الأصهار لم يغيبوا عن المشهد، إذ حجزوا لأنفسهم مواقع داخل الهيئات المنتخبة.

الأكثر إثارة أن بعض أفراد الأسرة الآخرين جرى توظيفهم في الجماعات في ظروف غامضة، مع إسناد مناصب حساسة لهم في وقت يرزح فيه شباب المنطقة، من حملة الشواهد العليا، تحت وطأة البطالة والتهميش. وفي المقابل، تحوّل بعض هؤلاء المحظوظين إلى مقاولين وأصحاب ثروات، تُغدق عليهم ميزانيات جماعية وتُفتح أمامهم مؤسسات اجتماعية، ليجمعوا الثروة في زمن قياسي دون حسيب أو رقيب.

هذه النماذج التي تقتات من الريع الانتخابي وتتنفس من الفساد السياسي تُعد من أبرز عوامل الهدم في المدن والقرى، إذ تزرع الإحباط في صفوف الشباب وتغذي شعوراً عاماً بالظلم، في وقت تتسع فيه دائرة النفوذ والفساد كالنار في الهشيم.

لقد تحوّلت الانتخابات في بعض المناطق المغربية إلى سلم للثروة والنفوذ بدل أن تكون أداة للتداول الديمقراطي. ومع استمرار هذه الظواهر، تزداد أزمة الثقة في المؤسسات المنتخبة، وتقترب الديمقراطية المحلية من حافة الخطر. إن إصلاح هذا الواقع لم يعد خياراً سياسياً فحسب، بل ضرورة لإنقاذ ما تبقى من الأمل في مستقبل تمثيلية حقيقية للمواطنين.