بوريطة… حين يرتقي المغرب في دبلوماسيته فوق ضجيج الجيران
الوطن24/ كتب: عبد الهادي العسلة
في زمن يزداد فيه منسوب التوتر في الخطابات الرسمية بالمنطقة المغاربية، اختار وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، أن يقدّم درساً جديداً في الرزانة والاتزان، مؤكداً أن الدبلوماسية المغربية لا تعرف الانفعال، بل تُبنى على الثقة والهدوء والرؤية الاستراتيجية.
خلال حديثه مساء السبت على القناة الثانية، عقب صدور القرار الأممي رقم 2703 بشأن قضية الصحراء المغربية، بدا بوريطة في أوج التوازن السياسي، متحدثاً بلغة رجل الدولة الذي يعرف متى يوضح ومتى يلتزم الصمت. لم يشمت، لم يشتم، ولم ينجرّ إلى الخطاب العدائي المعتاد من الجارة الشرقية، بل اكتفى بذكر الجزائر بصفتها عضواً غير دائم في مجلس الأمن، ملتزماً بخط مغربي ثابت يقوم على احترام المؤسسات والشرعية الدولية.
حديث بوريطة لم يكن مجرد تصريح إعلامي، بل كان عرضاً لتاريخ ديبلوماسي ممتد منذ سنة 2004، ومسار سياسي منسجم مع الرؤية الملكية التي أرساها جلالة الملك محمد السادس منذ اعتلائه العرش سنة 1999. رؤية قائمة على العمل الهادئ والنتائج الواقعية، بعيداً عن الشعارات والصراخ. فالمغرب، كما قال الوزير، بنى مواقفه على البرمجة والتخطيط والمسار المستمر، وليس على ردود الفعل الآنية.
في المقابل، ما زالت الجزائر، على لسان أعلى سلطاتها، تختار خطاب الاستفزاز والتقليل من مبادرة الحكم الذاتي التي يراها المجتمع الدولي اليوم مقترحاً جدياً وواقعياً لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. وبينما يصف الرئيس الجزائري المبادرة بمصطلحات غير دبلوماسية وسط تصفيق سياسي داخلي، يواصل المغرب التقدم بخطى واثقة داخل أروقة الأمم المتحدة ومؤسسات القرار العالمي.
ما يميّز بوريطة أنه يجسد صورة الدبلوماسي العصري: يبتسم حين تُوجّه الضربات، ويتواضع لحظة الانتصار. لا يُبالغ في الرد ولا في الفرح، لأنه يعرف أن السياسة الخارجية ليست مباراة إعلامية، بل مسار وطني طويل تُصنع فيه الانتصارات بالصبر والعمل والتخطيط.
وهذا المسار لا يخرج عن منهجية العمل الدبلوماسي الراقي الذي رسخ أسسه جلالة الملك محمد السادس، الذي تفاعل مع الحدث الأممي بأخلاق الملوك وصفة التواضع، في توجيه النجاحات بالاتجاه العام الذي يخدم المصلحة المشتركة لشعوب المنطقة بأكملها، وبمدّ اليد لبناء مغربٍ مغاربي تكون فيه المعادلة رابح – رابح.
بهذا الأسلوب، يثبت ناصر بوريطة مرة أخرى أن المغرب، عندما يتحدث، يتحدث بلغة الكبار… لغة لا تُقال بالصوت العالي، بل تُسمع في صمتها.
