رشيد الطالبي العلمي: الوطنية والدروس المتناقضة في المغرب.

الوطن24/ خاص
في وقت تُثار فيه الكثير من القضايا حول شخصيات بارزة في الساحة السياسية المغربية، يظهر رئيس مجلس النواب، السيد رشيد الطالبي العلمي، وكأنه يقدم نفسه كمثال يحتذى به في الوطنية والتضحية من أجل الوطن. فقد أطلق تصريحات حادة في الآونة الأخيرة، حيث وصف الانسحاب من التصويت على مشروع قانون الإضراب بأنه “خيانة للوطن”، وهو ما يعكس موقفًا حازمًا يروّج له في كل فرصة. لكنه، في نفس الوقت، لا يتردد في توجيه التهم للأشخاص الذين يعبرون عن آرائهم ويتظاهرون ضد بعض السياسات، كما فعل في وقت سابق عندما وصف المحتجين ضد غلاء الأسعار بـ “المرضى”، في إشارة إلى فترة الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد.
الوجه الآخر للطالبي العلمي: فضائح مالية وإدارية
لكن بعيدًا عن خطاب الوطنية الذي يقدمه الطالبي العلمي، هناك سلسلة من القضايا والفضائح التي تلاحقه، والتي تم تداولها بكثرة في وسائل الإعلام المغربية في العقد الأخير، وتظهر تضاربًا بين ما يعلنه وما يفعله. دعونا نلقي نظرة على أبرز هذه القضايا:
التهرب الضريبي: صدور حكم قضائي بحق الطالبي العلمي بتهمة التهرب الضريبي في قضية تخص شركة “نورفي كوير” الخاصة بصناعة النسيج في تطوان، حيث تبين أنه لم يدفع مستحقات الضرائب منذ عام 1991 إلى غاية 2017، كما أنه لم يُصرّح بالعمال الذين كانوا يعملون في الشركة لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
اختفاء الأموال العامة: تبين بعد تفحص مفتشية المالية أن هناك اختفاءً لمبلغ 7 مليارات سنتيم خلال فترة تولي الطالبي العلمي حقيبة وزارة الشباب والرياضة، كانت مخصصة لمشاريع بناء ملاعب قرب. ورغم أن الميزانية كانت كبيرة، إلا أن العديد من المشاريع لم تتم بالشكل المطلوب.
تفويت الصفقات لمقربين: في فترة توليه رئاسة مجلس النواب، تم تداول اتهام بخصوص تفويت صفقة تقدر بـ 300 مليون سنتيم لشركة مملوكة لصديقه، والي تطوان السابق إدريس خزاني. الصفقة كانت تتعلق بتقييم السياسات الحكومية الخاصة بتزويد العالم القروي بالماء، وهي صفقة تمت دون اتباع المساطر القانونية اللازمة.
التعيينات المشبوهة: في سنة 2021، تم تعيين وزير السياحة السابق لحسن حداد، الذي كان قد غادر الوزارة بعد غضبة ملكية، رئيسًا للجنة البرلمانية المشتركة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وهو ما يثير تساؤلات حول هذا القرار في ظل القرارات السابقة التي نصّت على عدم منحه أي مهمة رسمية.
الفضائح المتعلقة بالمال العام: تم تداول قضايا أخرى تخص كيفية تخصيص المال العام في مشاريع غير شفافة، مثل تخصيص 250 مليون سنتيم لإنشاء بوابة إلكترونية للمخيمات الصيفية، والتي تم تفويتها للفيدرالية الوطنية للمخيمات بدون الإعلان عن طلي العروض، رغم أن مفتشية المالية قدرت أن تكلفة هذا المشروع لا تتجاوز 30 مليون سنتيم.
سقف التناقضات
من خلال هذه الفضائح، يتضح أن هناك سقفًا عميقًا من التناقضات بين الصورة التي يحاول الطالبي العلمي رسمها لنفسه وبين الأفعال التي يتم الكشف عنها تدريجيًا. فبينما يركز على تقديم نفسه كـ “وطني”، ويستغل كل فرصة لتوجيه الدروس للآخرين حول مسؤولياتهم الوطنية، فإن الوقائع تشير إلى أن هناك العديد من القضايا التي تتعلق بإدارة المال العام بشكل غير شفاف، وفشل في الوفاء بالالتزامات القانونية والضريبية.
خلاصة:
رشيد الطالبي العلمي، رغم كل المحاضرات التي يقدمها عن الوطنية والنزاهة، يبدو أنه أمام تحديات حقيقية لتوضيح مواقفه ومواءمة أقواله مع أفعاله. إن التناقضات التي تظهر بين ما يُعلنه من تصريحات حماسية وبين الوقائع المالية والإدارية التي تلاحقه، تجعل من الضروري أن يخضع لهذه القضايا تحقيقات معمقة، لضمان أن تُحترم القيم الوطنية التي يدّعي الدفاع عنها.
في النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كان المواطنون في المغرب سيتقبلون هذه التناقضات أم أنهم سيطالبون بالمزيد من الشفافية والمحاسبة.