زلزال سياسي في موريتانيا: السجن 15 سنة للرئيس السابق ولد عبد العزيز بتهم فساد خطيرة.

الوطن24 / عبد الجبار الحرشي

أسدلت محكمة الاستئناف المختصة في قضايا الفساد بالعاصمة نواكشوط، اليوم الأربعاء، الستار على واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في تاريخ موريتانيا، وذلك بإصدار حكم بالسجن 15 سنة نافذة في حق الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، بعد إدانته بتهم ثقيلة تتعلق باستغلال النفوذ، وسوء استخدام الوظيفة، وإخفاء عائدات إجرامية.

ويُعد هذا الحكم تتويجًا لمسار قضائي استمر لسنوات، خضع فيه ولد عبد العزيز لتحقيقات دقيقة شملت فترة حكمه التي امتدت من 2008 إلى 2019، وهي مرحلة اتسمت بتراكم الثروات في محيطه، وتوسع شبكات النفوذ السياسي والعسكري. ووفقًا للائحة الاتهام، فقد استغل الرئيس السابق منصبه للهيمنة على مقدرات الدولة، تحت غطاء شعارات مكافحة الفساد وحماية المال العام.

ولد عبد العزيز، الذي وصل إلى السلطة بعد انقلاب عسكري، ظل مرتبطًا بالجزائر، وعبّر مرارًا عن دعمه العلني لجبهة البوليساريو، في مواقف أثارت توترًا مع المغرب وعدد من الدول الإفريقية. وقد ظلّ طيلة سنوات رجل النظام القوي، إلى أن أُطيح به عبر صناديق الاقتراع سنة 2019، في ما عُرف بالانقلاب الناعم، حينما آلت الرئاسة إلى وزير دفاعه السابق محمد ولد الغزواني.

ومنذ ذلك الحين، دخلت العلاقة بين الرجلين مرحلة من التوتر الصامت، رغم محاولات التهدئة التي لم تُخفِ الصراع العميق بين جناحي السلطة. ومع فتح ملفات الفساد، بدأ اسم ولد عبد العزيز يتكرر في أروقة المحاكم، قبل أن يُوضع رهن الإقامة الجبرية، ثم يُحال إلى السجن.

ويأتي هذا الحكم ليمثل لحظة مفصلية في التاريخ السياسي الحديث لموريتانيا، باعتباره أول قرار قضائي بهذا الحجم يُطال رئيسًا سابقًا للبلاد. كما أنه يُرسل رسالة قوية بأن العدالة قادرة – ولو جزئيًا – على ملاحقة رموز السلطة، وإن بعد حين.

لكن في المقابل، يرى متابعون أن القضية لا تخلو من حسابات سياسية، خصوصًا أن بعض رموز النظام السابق لا يزالون في مواقع مؤثرة، ما يثير تساؤلات حول مدى استقلالية القضاء، وإمكانية تحوّل هذه السابقة إلى نهج دائم في مكافحة الفساد.

وبين من يعتبر الحكم انتصارًا للعدالة، ومن يراه تصفية حسابات بلبوس قانوني، تبقى موريتانيا على موعد مع مرحلة سياسية حساسة، قد تعيد رسم التوازنات داخل السلطة وتحدد مستقبل العلاقة بين الحكم والمعارضة.