صرخة المعتقلين الإسلاميين القدامى: طلب إنصاف وجبر ضرر أمام تجاهل الدولة
الوطن24/الحيداوي عبد الفتاح
تعيش مجموعة المعتقلين الإسلاميين القدامى في المغرب واقعًا مريرًا، حيث يجدون أنفسهم في مواجهة تاريخ من الاعتقال والظلم السياسي والاجتماعي الذي لم يُعترف به بشكل رسمي، على الرغم من وعود الانفتاح والعدالة الانتقالية التي تبنتها الدولة المغربية في السنوات الأخيرة. أسس هؤلاء المعتقلون “تنسيقية للدفاع عن حقهم في جبر الضرر”، وهي مبادرة تأتي بعد سنوات من الانتظار والآمال التي تحطمت أمام تجاهل السلطات المغربية لمطالبهم المشروعة.
شهد المغرب خلال العقود الماضية موجة من الاعتقالات التي استهدفت العديد من الإسلاميين، خاصة في فترة الثمانينيات والتسعينيات، على خلفية التوترات السياسية الداخلية والخارجية، والتي اتسمت بتنامي التيارات الإسلامية في المغرب والعالم العربي. تم اعتقال العديد من الأفراد بتهم تتعلق بالإرهاب أو الانتماء إلى تنظيمات محظورة، في كثير من الأحيان بدون محاكمات عادلة أو وفقًا لاعترافات منتزعة تحت الضغط.
رغم أن هذه المرحلة كانت جزءًا من السياق الدولي والمحلي الذي شهد مواجهة متصاعدة بين الأنظمة والتيارات الإسلامية، إلا أن هؤلاء المعتقلين دفعوا ثمن هذه المرحلة الصعبة، حيث تعرضوا للاعتقال التعسفي والتعذيب والإهانة، وتم تجاهل حقوقهم الأساسية.
بعد سنوات من الإفراج عنهم، تجمع هؤلاء المعتقلون لتأسيس “تنسيقية للمعتقلين الإسلاميين كجهة تعمل على توحيد جهودهم للدفاع عن حقوقهم والمطالبة بجبر الضرر الذي لحق بهم. تأتي هذه المطالبة ليس فقط لتعويضهم ماليًا، بل أيضًا لإعادة الاعتبار لكرامتهم وتصحيح النظرة العامة التي رُسخت في حقهم كمجرمين أو إرهابيين في نظر المجتمع والدولة.
التنسيقية سعت بشكل مستمر إلى التواصل مع المؤسسات الرسمية، وعلى رأسها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إلا أن هذه المساعي باءت بالفشل. المجلس الوطني لحقوق الإنسان رفض الترافع عن قضيتهم، ما شكل رؤيتهم السابقة من تعامل اليساريين المنتمين للمؤسسات الحقوقية ونظرتهم الخاصة لملف الاسلاميين.
المطلب الرئيسي لهذه التنسيقية هو جبر الضرر، وهو مفهوم أساسي في العدالة الانتقالية. ينطوي جبر الضرر على تعويض المعتقلين عن سنوات الاعتقال والتعذيب والإهانة التي عاشوها، ويتجاوز البعد المادي ليشمل الاعتراف بمعاناتهم من قبل الدولة، وإعادة إدماجهم في المجتمع بكرامة.
الاعتراف بجبر الضرر هو أولاً وأخيرًا خطوة نحو المصالحة الوطنية، والتأسيس لعلاقة جديدة بين الدولة والمجتمع. فمعالجة هذه الملفات لا تتعلق فقط بالماضي، بل ترتبط أيضًا بضمانات المستقبل لعدم تكرار مثل هذه الانتهاكات. ويؤكد المعتقلون على أن مطلبهم ليس سياسيًا أو اقتصاديًا فقط، بل هو إنساني بالدرجة الأولى، حيث يتعلق بتصحيح مسار الحقوق والعدالة في المجتمع المغربي.
رغم أن المغرب خطى خطوات كبيرة في مجال العدالة الانتقالية عبر إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة بعد تولي الملك محمد السادس الحكم، إلا أن ملف المعتقلين الإسلاميين ظل عالقًا، وكأن هناك ترددًا في الاعتراف بحقوقهم كما جرى مع المعتقلين السياسيين الآخرين.
العدالة الانتقالية تقوم على مبدأ الاعتراف بالماضي والمصالحة مع المتضررين، وهي جزء لا يتجزأ من أي عملية إصلاح حقيقي داخل المجتمع. تجاهل ملف المعتقلين الإسلاميين القدامى لا يُعطل فقط عملية المصالحة، بل يشير إلى وجود انتقائية في التعامل مع الملفات الحقوقية في المغرب.
استمرار تجاهل الدولة لمطالب المعتقلين الإسلاميين القدامى قد يؤدي إلى عواقب اجتماعية وسياسية وخيمة. فهؤلاء المعتقلون يشكلون جزءًا من النسيج الاجتماعي والسياسي المغربي، واستمرار تجاهل قضيتهم قد يؤدي إلى تفاقم مشاعر الإحباط والإحساس بالتهميش والظلم.
كما أن غياب الحل العادل لهذه القضية قد يُعطي إشارات سلبية للمجتمع، مفادها أن العدالة ليست متاحة للجميع، وأن الحقوق تُمنح للبعض وتُحجب عن البعض الآخر لأسباب سياسية أو أيديولوجية.
يبقى ملف المعتقلين الإسلاميين القدامى واحدًا من الملفات الحساسة التي تحتاج إلى معالجة عادلة ومنصفة من قبل الدولة المغربية. لا يمكن بناء مجتمع ديمقراطي حقيقي دون الاعتراف بالمظالم السابقة والعمل على جبر الضرر وتعويض الضحايا. فالمصالحة الحقيقية لا تتم فقط بالاعتراف ببعض الملفات وتجاهل أخرى، بل بتبني رؤية شاملة للعدالة والإنصاف.