فسحة الصيف/ الحلقة (2) مباراة تاريخية: حين لعب فريق سوكيل ضد فريق الرومان

الوطن 24/ بقلم: الدكتور أحمد التهامي جوهري
” قصة مهداة إلى قدماء نجوم فريق سوكيل لكرة القدم الذين أطربوا أعيننا بمواهبهم الفطرية الساحرة في الثلث الأخير من القرن الماضي، و إلى جماهيرهم الوفية، وكل أبناء سوكيل الواقعين تحت الحجر الصحي الثاني القاسي.”

في الملعب البلدي
… ولما وصل موعد مباراة فريق سوكيل ضد فريق الرومان، وقد كان ذلك يوم عطلة الأحد طبعا، تأهبتُ لمشاهدة المباراة الساحرة. ولابدَّ أن أعترف أنني كنت دائما أتشوَّقُ في كل المباريات لمشاهدة نجوم سوكيل فقط، وخاصة حارسها البهلوان بُورّا، الذي لم تنجب ميادين الكرة في العالم إلا حارسا مجنونا وحيدا في مثل عبقريته قادرا على تقليد بهلونياته، هو “إيكيتا”، حارس المنتخب الكولومبي في مونديال 1990. لكن في هذه المباراة التاريخية فقد كان سحر فريق الرومان عليَّ أقوى.. نعم الرومان الذين أسسوا مدينة وليلي كما درسنا في مادة التاريخ.. فهل يمكن لطفل صغير أن يصمد أمام سحر التاريخ والكرة ؟ مستحيل.
لذلك عولتُ على مشاهدة فريق الرومان بأي ثمن.. طبعا أنتم حين تسمعون الآن الثمن ستفكرون في المال والنقود.. وسأكون مفتريا لا كاتب قصة خيالية حالمة إن تركتكم تظنون ذلك. لم يكن هناك نقود عند عشاق كرة القدم من أطفال الأحياء الشعبية لسوكيل، بل لم نكن نعرف شيئا عن المال ولا أبناك في المدينة أصلا، فكنا نبتكر الحيل العبقرية للاستمتاع بمباريات الأحد، وأضعف هذه الحيل أننا كنا نجتمع قرب باب الملعب البلدي كمساكين الكرة وننتظر شفقة المنظمين ورأسماليي الكرة ليفتحوا لنا أبواب الجنة بعد انتهاء دخول أصحاب التذاكر من الكبار وإطفاء جشعهم إلى الأموال. وغالبا ما كانوا يفتحونها لنا بين شوطَيْ المباراة. أما الحيلة الثانية فكانت تتم بتسلق الأشجار المحيطة بالملعب البلدي، حيث كنا نضمن بها فرجة ممتعة لا تُوفِّرها حتى كاميرات التلفزة الوطنية الوحيدة آنذاك. وهنا يجب أن تُصَدِّقوني، ففي قمم الأشجار لن يتخلل فرجتَك أيُّ عطب تقني قد يَحرِمُك من هدف جميل كما كان يحدث غالبا في قناة التلفزة الوطنية.
بَيْدَ أنني خلال مباراة سوكيل ضد الرومان اخترت حيلة جديدة لا تخطر على بال. فقد تسللت من داخل مدرسة خالية في يوم عطلة الأحد إلى السور الذي يفصل بينها وبين الملعب البلدي من جهة الجنوب، ويطل مباشرة على شبكة المرمى الجنوبية وحجرة تغيير الملابس. ثم استعنتُ بأحجار لأقف عليها وأرفع جسدي إلى أعلى، وهو ما مَكَّنني من وضع ذراعيَّ وذقني فوق حاشية السور لأشاهد المباراة الساحرة من طرف خفي. وما أن استقر رأسي على سطح السور حتى تجلى لي ميدان الملعب البلدي الرائع. كان عبارة عن مستطيل كبير من الرمل شبيه بميدان مصارعة الثيران الإسبانية (الكوريدا)، أو بحقل مهيأ لزراعة “الفريز” (توت الأرض) أو الفلفل. وكان محاطا بسور من الآجر الأسود من جوانبه الأربعة. ولم تكن هناك مقاعد ولا سياج فاصل بين اللاعبين والجمهور، بل اصطف مئات من المشجعين الواقفين بكل هدوء وسكون، كعادتهم عند بداية المباراة، على بعد مترين فقط من خطوط الشرط والمرمى. وينبغي أن تلاحظوا أنني قلت “عند بداية المباراة”، لأنه مع انطلاق المباراة بصافرة الحكم، وحين يسجل فريق سوكيل هدفا في مرمى الخصم، فلا يمكن أن أصف لكم كثافة الغبار المتطاير والعجاج، وتلاطم الأمواج، وهستيريا الصراخ التي يتحول إليها مستطيل الملعب البلدي، فيركب الجمهور على ظهور اللاعبين فرحا، ويتسلقون أكتافهم مرحا، بل ويُسقِطونهم أرضا أحيانا، وينهالون ضربا على مسجل الهدف من شدة غبطة الفوز. وعلى الرغم من ذلك، صَدِّقوني، لم يكن أبطال فريق سوكيل ينزعجون من جماهيرهم أبدا، لذلك كانوا بمجرد مرور دقيقة الفرح يطلقون أقدامهم بالركل على مؤخرات مشجعيهم مستنجدين بنفر من المخازنية ليعيدوهم في هدوء وسعادة إلى ما خلف خطوط الشرط حتى يستأنفوا اللعب من جديد، وحتى لا يخسرون نتيجة المباراة بإيقاف الحكم لها، أو باعتراض تقني من فريق الخصم … (يــتـبع)