فضيحة المال العام في المغرب: اختبار العدالة والثورة على الفساد

فضيحة مدوية تهز المغرب، أبطالها شخصيات نافذة استباحت المال العام بلا حسيب، لتنكشف أمام الرأي العام أبعاد أزمة عميقة تضرب في صميم النزاهة والمساءلة. ما كشفت عنه التحقيقات الأخيرة يتجاوز السرقة، ليصبح خيانة عظمى لثقة الشعب واستغلالاً للنفوذ، يُفرغ كل الشعارات حول التنمية والمساواة من حقيقة معانيها ومدلولاتها القانونية.

القضية التي أزاحت الستار عن شبكة متورطة في نهب ميزانيات ضخمة تضع المغرب أمام امتحان تاريخي: إما انتصار لسيادة القانون أو مس بهيبة الدولة في محاربة الفساد. في وقت يعاني فيه المواطن من تدهور الخدمات الأساسية وتأخر المشاريع التنموية، تأتي هذه الفضيحة لتكشف أن السبب الحقيقي ليس قلة الموارد، بل جشع أقلية اعتبرت المال العام غنيمة شخصية.

الأخطر في هذه القضية هو أنها تمس مصداقية نظام العدالة بأكمله. أي تأخير في المحاسبة أو محاولة لتخفيف الأحكام سيعني ترسيخاً لثقافة الإفلات من العقاب، ورسالة واضحة بأن المساءلة ليست سوى شعارات فضفاضة. هذه اللحظة تتطلب إجراءات جريئة، تبدأ بمحاسبة كل المتورطين، بغض النظر عن مواقعهم أو نفوذهم.

القضاء المغربي يقف الآن أمام لحظة فارقة. هذه القضية ليست مجرد ملف جنائي بل اختبار إرادة الدولة والأسس القانونية التي أرست قواعدها في محاربة الفساد والضرب على أيدي الفاسدين. إذا فشل القضاء في إنزال عقوبات صارمة بحق المتورطين، فإن الرسالة ستكون أن الكبار محصنون، وأن الفساد سيظل جزءاً من المعادلة السياسية والاقتصادية.

لكن المسؤولية لا تتوقف عند القضاء. على الحكومة أن تتحرك بسرعة لتطوير آليات رقابة صارمة، وضمان الشفافية في تدبير المال العام. كل درهم يُنهب يعني مشروعاً تنموياً معطلاً، ومدرسة أو مستشفى لم يُبنَ، ومستقبلاً أُجهض لصالح حفنة من المستفيدين.

المغاربة لن ينسوا، ولن يسامحوا. الفضيحة أصبحت نقطة تحول، والمحاسبة ليست مجرد مطلب شعبي بل شرط لإنقاذ ما تبقى من الثقة. فهل ستكون هذه اللحظة بداية إصلاح شامل يعيد بناء دولة القانون؟ أم أنها ستنتهي كسابقاتها، غارقة في التجاهل والنسيان؟

المغرب اليوم أمام مفترق طرق: إما الانتصار للحق والعدالة أو الإقرار بانهيار الأمل في التغيير.