قطروتركيا: تجربة النجاح والتحدي
الوطن 24/ بقلم: الدكتورعبد اللطيف راكز
في العامين الماضيين، خضعت العلاقة بين قطروتركيا إلى إختبارَيْن جَدِّيَيْن وحقيقيّين، الأوّل يتعلق بالمحاولة الإنقلابية الفاشلة التي جرت في تركيا في يوليو من عام 2016، والثاني بعد أقل من عام واحد فقط، ويتمثّل في الأزمة الخليجية المفتعلة مع قطر، والحصارالغاشم الذي تمّ فرضه علينا من قبل دول الحصارالأربع. لكن وبسبب علاقاتنا المتينة المبنية على أسس صلبة، استطعنا في قطروتركيا تجاوزالصعوبات والتحديات، ومواصلة مسارنا المشترك بنجاح خلال السنوات القليلة الماضية، شهدت العلاقات الأخوية بين قطر وتركيا تطوراً ملحوظاً وسريعاً في مختلف المجالات.
وقد ساهم التوافق في الرؤى والتناغم في السياسات الإقليمية بين البلدين في تحقيق قفزة نوعيّة في العلاقة الثنائية لاسيما على المستوى السياسي.
وبفضل رؤية كل من حضرة صاحب السمو، أمير البلاد المفدى (حفظه الله)، وفخامة رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان، تمّ في عام 2014 وضع الأسس اللازمة لإنشاء علاقات إستراتيجية ومستدامة من خلال تأسيس اللجنة الإستراتيجية العليا.
ونتيجة للجهود المشتركة لمسؤولي بلدينا، وقّعنا خلال السنوات الثلاث الماضية على ما يزيد عن 40 إتفاقية ومذكرة تفاهم في السياسة والإقتصاد والأمن والثقافة والسياحة والتعليم والصحّة والإعلام وعدد آخر من القطاعات، وذلك بما يخدم مصلحة شعبي البلدين الشقيقين.
في العامين الماضيين، خضعت العلاقة بين قطر وتركيا الى اختبارَيْن جَدِّيَيْن وحقيقيّين، الأوّل يتعلق بالمحاولة الإنقلابية الفاشلة التي جرت في تركيا في يوليو من عام 2016، والثاني بعد أقل من عام واحد فقط، ويتمثّل في الأزمة الخليجية المفتعلة مع قطر، والحصارالغاشم الذي تمّ فرضه علينا من قبل دول الحصار الأربعة. لكن وبسبب علاقاتنا المتينة المبنية على أسس صلبة، استطعنا في قطر وتركيا تجاوز الصعوبات والتحديات، ومواصلة مسارنا المشترك بنجاح.
الإقتصاد يعتبر من الملفات الهامّة والأساسية بالنسبة الى بلدينا. قبل حوالي 13 عاماً تقريباً، كان حجم التبادل التجاري بين قطر وتركيا يساوي حوالي 26 مليون دولار فقط لا غير، بينما وصل في عام 2016 إلى حوالي 835 مليون دولار. هذا يعني أنّنا ضاعفنا حجم التبادل التجاري حوالي 35 مرّة خلال أقل من عقدين فقط.
وبالرغم من هذا الإنجاز الذي حقّقناه خلال فترة وجيزة نسبياً، إلاّ أنّنا نسعى بجهد إلى الإرتقاء بالعلاقات الإقتصادية بما يعكس التميّز في العلاقات الثنائية بين البلدين. نطمح إلى أن نرفع حجم التبادل التجاري بين قطر وتركيا مستقبلاً الى 3 مليارات دولار في المرحلة الأولى، ومن ثمّ الى 5 مليارات دولار لاحقاً. ندرك ان مثل هذا الهدف طموح، لكنّه ليس مستحيلاً إذا ما عمل الطرفان بجهد أكبر، خاصّة أنّ هناك فرصة متاحة الآن لتحقيق هذا الأمر.
نعتقد أنّ الأزمة الخليجية الأخيرة ساعدت على تسريع العمل بهذا الإتجاه، إذ إرتفعت الصادرات التركيّة إلى قطر في شهر أغسطس الماضي بنسبة 51%، بينما بلغ حجم التبادل التجاري خلال النصف الأول من عام 2017
حوالي 600 مليون دولار. هذا يعني أنّ حجم التبادل التجاري النهائي بين بلدينا لعام 2017 سيشهد إرتفاعاً إضافياً مقارنة بأرقام العام 2016.
لقد ساعد التدفّق السريع للسلع والبضائع التركية إلى قطر خلال الأشهر الثمانية الماضية على كسر الحصار الذي فرضته بضع دول علينا، وقد استطعنا من خلال التعاون القطري – التركي الوثيق تحويل هذا التحدّي إلى فرصةٍ ثمينة. نُؤمِنْ بأنّه من الضروري البناء على ما تقدّم من أجل ترسيخ شراكات وإتفاقات طويلة الاجل، لاسيما أنّ بلدينا يتمتّعان بقدرات اقتصادية كامنة تؤهّلها لتحقيق تكامل اقتصادي عالي المستوى.
فيما يتعلق بالجانب الإستثماري، فقد قفزت الإستثمارات المتبادلة بيننا بشكل كبير خلال العقد الماضي، وبلغ حجم إستثمارنا المباشر في تركيا منذ يوليو 2002 وحتى يوليو 2017 حوالي 1.5 مليار دولار. لدينا اليوم حوالي 121 شركة قطرية تعمل في تركيا في قطاعات مختلفة كالبنية التحتية والصناعة والمصارف وتكنولوجيا الإتصالات والإعلام.
في المقابل هناك حوالي 186 شركة تركية-قطرية تعمل في الدوحة، وتتركّز أنشطتها في قطاعات البنية التحتية والمقاولات والإنشاءات والاستشارات الهندسية والتجارة، كما يزيد حجم المشروعات التي تقوم شركات تركية بتنفيذها في قطر على 11.6 مليار دولار.
بعد أن قمنا بإلغاء التأشيرات، أصبحت حريّة الحركة بالنسبة إلى المستثمرين الأتراك والقطريين في القطاعين العام والخاص أكبر، وأصبح بالإمكان تشخيص الفرص المناسبة ومعاينتها بشكل مباشر وكذلك متابعة الإستثمارات الخاصة بشكل سهل ودون أي عقبات.
وبالرغم من ذلك، نؤمن أنّ هناك حاجة أيضاً إلى دفع القطاع الخاص في البلدين لتوسيع نطاق مبادراته الذاتية وشراكاته مع القطاع العام، ولذلك نعمل على مساعدته من خلال تحريره من القيود البيروقراطيّة التي قد تحد أو تعرقل من نشاطه، ومنفتحون دوماً على الإستماع إلى ما لدى القطاع الخاص من مقترحات قد تساعد على تحقيق الهدف النهائي للبلدين.
في هذا السياق، يمكن القول أنّ مبادرة السوق الإلكتروني التي تمّ إطلاقها مؤخراً بالتعاون بين الشركة القطرية للخدمات البريدية ومؤسسة البريد التركية PTT، من المبادرات المبتكرة التي تساهم في المحصّلة في تحقيق الرؤية بعيدة المدى التي نتحدث عنها.
ستتيح السوق الإلكترونية الكثير من المنتجات التركية للمستهلك القطري بأقل كلفة وأسرع وقت ممكن، كما ستشجّع المنتجين على اعتماد وسائل حديثة ومتطورة لتسويق سلعهم وزيادة إنتاجهم من خلال التجارة الإلكترونية.
هناك حاجة أيضاً الى تسهيل ودعم اللقاءات الدورية بين رجال الأعمال من البلدين بما يساعد على تعزيز الشراكة الإقتصادية الإستراتيجية القطرية – التركية. ولعلّ معرض إكسبو تركيا في الدوحة يشكّل أحد المبادرات الهامة في هذا المجال، ونأمل أن يشكّل حافزاً لخلق المزيد من الفرص الإقتصادية مستقبلاً.
أختم بالقول إنّنا متفائلون جداً بمستقبل العلاقات الإقتصادية بين البلدين ونعمل بجهد وإخلاص من أجل أن تتوافق نتائج جهودنا مع تطلعات وآمال شعبي البلدين.