كلمة السيد وزيرالعدل بمناسبة إجتماع لجنة التصدي لظاهرة الإستيلاء على عقارات الغير

الوطن 24/ الرباط

بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين .

– السيد المدير العام للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية و المسح العقاري والخرائطية؛

– السيد المحافظ العام على الأملاك العقارية و الرهون؛

– السادة ممثلو وزارات الداخلية والشؤون الخارجية والتعاون الدولي والفلاحة والأوقاف والشؤون الإسلامية؛

– السيد ممثل الأمانة العامة للحكومة؛

– السيد ممثل الرئيس الأول لمحكمة النقض؛

– السيد ممثل الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ، رئيس النيابة العامة؛

– السيد ممثل المديرية العامة للضرائب؛

– السيد الوكيل القضائي للمملكة؛

– السيد ممثل مجلس الجالية المغربية بالخارج ؛

– السيد رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب؛

– السيد رئيس المجلس الوطني للموثقين؛

– السيد رئيس الهيئة الوطنية للعدول؛

– السادة ممثلو مختلف وسائل الإعلام.

حضرات السيدات والسادة  المحترمون ؛

يطيب لي في مستهل هذا اللقاء أن أرحب بكم جميعا بوزارة العدل وأشكركم على تلبية الدعوة لحضور هذا الإجتماع الذي يدخل في إطار اللقاءات الدورية التي تعقدها اللجنة المكلفة بتتبع موضوع “الإستيلاء على عقارات الغير” تنفيذا للتعليمات المولوية السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده المضمنة في رسالته السامية الموجهة إلى وزير العدل بتاريخ 30 دجنبر 2016، حيث سنخصص جزءاً من هذا اللقاء لعرض حصيلة عمل اللجنة منذ تشكيلها، وطيلة مدة اشتغالها التي استمرت قرابة 03 سنوات، وما تم تنزيله وتفعيله من توصيات و مقترحات، على ان نخصص الجزء الثاني لدراسة ومناقشة مقترحات جديدة تعزز المجهود الذي بُذل، من و هي مناسبة أود من خلالها أن أتوجه بالشكر الجزيل إلى جميع القطاعات المكونة لهذه اللجنة على المجهودات التي بذلوها منذ إحداثها والإقتراحات البناءة التي تقدموا بها، إن على المستوى التنظيمي أو المستوى التشريعي، وذلك من أجل التصدي لهذه الظاهرة والقضاء عليها نهائيا، وهي الإقتراحات التي عملنا جميعا على تنزيلها بكل حرص ومسؤولية، كل في مجاله ، تنفيذا للتعليمات الملكية الواردة بالرسالة المشار إليها أعلاه .

حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛

         لقد شكلت الرسالة الملكية التي وجهها جلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده إلى وزير العدل بشأن التصدي الفوري والحازم لأفعال الاستيلاء على عقارات الغير، نقطة تحول مفصلي في التعامل مع هذا الموضوع ، حيث نبه جلالته إلى خطورة هذه الظاهرة وتواصل استفحالها، وعلى مساسها بالأمن القانوني والعقاري وبحق الملكية الذي يضمنه دستور المملكة، وهو ما من شأنه التأثير سلبا على مكانة وفعالية القانون، ودوره في صيانة الحقوق، فضلا عن زعزعة ثقة الفاعلين الاقتصاديين، و دعا جلالته إلى الانكباب الفوري على وضع خطة عمل عاجلة للتصدي لهذه الظاهرة، تتولى تنفيذها آلية تحدث لهذه الغاية .

وتنفيذا للتوجيهات الملكية السامية تم إحداث هذه اللجنة بهذه التركيبة المتنوعة والموسعة، وعهد إليها بتتبع موضوع أفعال الاستيلاء على عقارات الغير، تحت إشراف وزارة العدل .

وعقدت اللجنة المذكورة عدة اجتماعات لتدارس الموضوع وإيجاد الحلول الكفيلة للتصدي لظاهرة أفعال الاستيلاء على عقارات الغير، ملتزمة بالتوجيهات الملكية السامية الموجهة في هذا الإطار، من خلال اعتماد مقاربة استعجالية شاملة ومتكاملة تُسهم في تنفيذها وفق منهجية تشاركية كل الجهات والمؤسسات المعنية، وذلك عن طريق معالجة قضائية تقوم على تتبع القضايا المعروضة على المحاكم وضمان التطبيق السليم للقانون فيها والبت فيها داخل أجل معقول، مع الإعمال الحازم للمساطر القانونية والقضائية في مواجهة المتورطين، وأيضا عن طريق معالجة وقائية تقوم  على ابتكار إجراءات وقائية تضمن معالجة أي قصور تشريعي وتعزز الجوانب التنظيمية والعملية. كل ذلك – كما أسلفت – وفق مقاربة تشاركية ساهم فيها كل المتدخلين في المنظومة العقارية بالحرص والإهتمام اللازمين، بما في ذلك إشراك جمعية ضحايا الإستيلاء على عقارات الغير التي تم استقبالها من طرفنا بحضور السيد المدير العام للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية حيث تم الاستماع إلى انشغالاتها وتم تقديم الأجوبة عن كل تساؤلاتها .

حضرات السيدات والسادة الأفاضل :

لقد انطلق عمل اللجنة بإجراء تشخيص دقيق لهذه الظاهرة  والبحث عن الأسباب الكامنة وراءها ، ومن ثم اقتراح السبل الكفيلة لمواجتها و التصدي لها، وفي هذا الإطار فقد تبين من خلال التشخيص الذي قامت به اللجنة على ضوء الملفات القضائية الرائجة بمختلف محاكم المملكة المرتبطة بهذا الموضوع، وكذا شكايات الضحايا المتوصل بها، أنه من بين الأسباب التي  تساهم في تفشي هذه الظاهرة واستفحالها، اعتماد الوكالات العرفية أثناء إبرام العقود الناقلة للملكية العقارية، و وجود بعض أوجه القصورمن الناحية التشريعية فيما يخص صلاحية السلطات القضائية المختصة لعقل العقارات محل الاعتداء و منع التصرف فيها إلى حين البت في القضية ، و وجود اختلاف في العقوبات الزجرية بخصوص جرائم التزوير التي يرتكبها محررو العقود، فضلا عن وجود قصور تشريعي واضح في تنظيم عقد الوكالة والتنظيم القانوني للشركات المدنية لاسيما تلك التي يكون محلها عقارات .

لذلك ، فقد عملت اللجنة على تحديد و حصر الثغرات القانونية التي تتضمنها عدد من النصوص في التشريع الوطني ، و التي بستغلها مرتكبو أفعال الإستيلاء لإرتكاب أفعالهم الإجرامية، وتبين أن هناك مقتضيات قانونية تتضمنها مدونة الحقوق العينية والقانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية وقانون الإلتزامات والعقود، تشوبها ثغرات كبيرة، ويتعين إدخال تعديلات جوهرية عليها، من أجل قطع الطريق أمام مرتكبي أفعال الإستيلاء والحد من تفشي وإستفحال هذه الظاهرة .

 وتفعيلا للتوصيات والقرارات المتخذة من طرف اللجنة بهذا الخصوص، تكلفت وزارة العدل بإعداد مجموعة من مشاريع القوانين، بتنسيق وتشاور وتوافق مع كل الجهات المعنية، وقامت بإحالتها على البرلمان، حيث تمت مناقشتها في جو من المسؤولية والروح الوطنية العالية وإستحضارمضامين الرسالة الملكية السامية والأهداف والغايات المتوخاة منها، ويتعلق الأمر بالنصوص التالية :

1- تعديل مقتضيات المادة الرابعة (4) من مدونة الحقوق العينية بموجب القانون رقم 69.16، الذي صادق عليه البرلمان بالإجماع ، ودخل حيز التنفيذ بمجرد نشره بالجريدة الرسمية بتاريخ 14 شتنبر 2017، حيث تمت إضافة الوكالة ضمن الوثائق الواجب تحريرها بمحرر رسمي أو من طرف محامي مؤهل لذلك بواسطة محرر ثابت التاريخ، بهدف سد القصور والحد من حالات التزوير التي تطال الوكالات العرفية.

2– إصدار القانون رقم 18/33 القاضي بتغيير و تتميم الفصلين 352 و 353 من مجموعة القانون الجنائي ، و بتتميم أحكامهما بالفصل  359-1، بهدف توحيد العقوبة بخصوص جرائم التزوير بين جميع المهنيين المختصين بتحرير العقود من موثقين وعدول ومحامين بهدف تحقيق الردع المطلوب، مع الإشارة إلى أنه بخصوص السادة المحامين، فإن الأمر يقتصر على أولئك المؤهلين لتحرير العقود الثابتة التاريخ وهم المحامون الذين مارسوا أكثر من 10 سنوات مهنة المحاماة، وعلى العقود الناقلة للملكية المنجزة في إطار المادة 04 من مدونة الحقوق العينية فقط دون غيرها من العقود الأخرى التي ينجزها السادة المحامون .

وهو القانون الذي صادق عليها البرلمان بغرفتيه بالإجماع، و دخل حيز التطبيق بمجرد نشره بالجريدة الرسمية بتاريخ 25 مارس 2019 .

3– إصدار القانون رقم 18/32 القاضي بتغيير وتتميم بعض مواد قانون المسطرة الجنائية و ذلك بمنح السلطات القضائية المختصة صلاحية اتخاذ تدبير عقل العقار موضوع البحث الجنائي أو الدعوى العمومية الجارية، كإجراء تحفظي إلى حين البت في القضية بموجب حكم حائز لقوة الشيء المقضي به، وهو القانون الذي صادق عليه البرلمان بالإجماع أيضا منذ شهرين، ودخل حيزالتنفيذ بمجرد نشره بالجريدة الرسمية بتاريخ 18 يوليوز 2019 . وبموجب هذا التعديل، فقد أضيفت ثلاث فقرات للمادة 40 من قانون المسطرة الجنائية، تعطي الإمكانية لوكيل الملك، إذا تعلق الامر بجريمة من الجرائم التي تمس بحق الملكية العقارية أن يتقدم بطلب إلى رئيس المحكمة الإبتدائية لإصدارأمر بعقل العقار في إطار الأوامر المبنية على طلب، و يقبل هذا الأمرالطعن بالإستئناف داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ تبليغه، ولا يوقف الطعن وأجله التنفيذ، كما لا يقبل القرار الصادر عن محكمة الإستئناف أي طعن، ويترتب عن الأمر الصادر بالعقل منع التصرف في العقار طيلة مدة سريان مفعوله، ويكون كل تصرف بعوض أو بدون عوض مع وجود العقل باطلا وعديم الأثر، ما لم يتم رفع العقل من طرف رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات بناء على طلب من النيابة العامة أو من له مصلحة.

وأضيفت أيضا ثلاث فقرات للمادة 49: تعطي الإمكانية للوكيل العام للملك لدى محكمة الإستئناف، إذا تعلق إذا تعلق الأمر بجريمة من الجرائم التي تمس بحق الملكية العقارية أن يتقدم بطلب إلى الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف لإصدار أمر بعقل العقار، ويقبل هذا الامر الطعن بالإستئناف أمام غرفة المشورة داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ تبليغه، ولا يوقف الطعن وأجله التنفيذ، ولا يقبل القرار الصادر عن غرفة المشورة أي طعن، ويترتب عن الأمرالصادر بالعقل منع التصرف في العقار طيلة مدة سريان مفعوله، و يكون كل تصرف بعوض أو بدون عوض مع وجود العقل باطلا وعديم الأثر، ويمكن رفعه أمام المحكمة التي امرت به في إطارالقضاء الإستعجالي بناء على طلب من النيابة العامة أو من له مصلحة .

وأضيفت فقرتان للمادة 104 تعطيان الإمكانية لقاضي التحقيق إذا تعلق الأمر بجريمة من الجرائم التي تمس بحق الملكية العقارية أن يأمربعقل العقار، ويمكن الطعن في هذا الأمر أمام الغرفة الجنحية  داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ تبليغه ، ولا يوقف الطعن وأجله التنفيذ، و يترتب عن الأمر الصادر بالعقل منع التصرف في العقار طيلة مدة سريان مفعوله،  ويكون كل تصرف بعوض أو بدون عوض مع وجود العقل باطلا و عديم الأثر، ويبقى قاضي التحقيق مختصا لرفعه تلقائيا، أو  بناء على طلب من النيابة العامة أو من له مصلحة .

وأضيفت  فقرتان أيضا  للمادة 299 تعطيان الإمكانية لهيئة المحكمة، إما تلقائيا أو بناء على ملتمس من النيابة العامة أو طلب من الأطراف، أن تأمر بعقل العقار كلما تعلق الأمر بجريمة من الجرائم التي تمس بحق الملكية العقارية، حيث يترتب عن هذا الإجراء منع التصرف في العقار طيلة مدة سريان مفعوله، و يكون كل تصرف بعوض أو بدون عوض مع وجود العقل باطلا وعديم الأثر .

كما أضيفت فقرة جديدة للمادة 366 تعطي الحق للمحكمة خلال كافة مراحل القضية للبت في إجراء عقل العقار إذا تعلق الامر بجريمة من الجرائم التي تمس بحق الملكية العقارية، ويستمر سريان مفعول هذا الإجراء إلى حين صدور مقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به، ما لم يتقرر رفعه .

وأخيرا أُدْخِلَ تعديل على المادة 390 من قانون المسطرة الجنائية، تم من خلاله التأكيد على استمرار تدابير المراقبة القضائية والإجراءات التحفظية الصادرة من قَبْلُ، بما فيها الامر الصادر بعقل العقار إذا تعلق الامر بجريمة من الجرائم التي تمس بحق الملكية العقارية، وذلك في الحالة التي تُصَرٍّحُ فيها المحكمة بعدم اختصاصها للبت في الدعوى العمومية الجارية في حق المتهم.

4- اعتبارا لما تم تسجيله من وجود قصور تشريعي واضح في تنظيم عقد الوكالة وكذا التنظيم القانوني للشركات المدنية لاسيما تلك التي يكون محلها عقارات، فقد أحالت وزارة العدل على البرلمان مشروع قانون رقم 18/31، تضمن عددا من المقتضيات الجديدة التي تهدف إلى تنظيم عملية تسجيل عقد الوكالة المتعلقة بنقل الملكية أو إنشاء الحقوق الأخرى أو نقلها أوإسقاطها، وإعادة تنظيم الشركات المدنية التي يكون محلها أموالا عقارية. حيث تمت المصادقة عليه بالإجماع من طرف البرلمان بغرفتيه خلال الدورة الربيعية الماضية، ونشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 26 غشت 2019، ومن أهم المستجدات التي جاء بها القانون الجديد نذكر :   

أ – التنصيص على وجوب تقييد عقود الوكالات المتعلقة بنقل ملكية عقارأوإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها بسجل الوكالات المتعلقة بالحقوق العينية، من طرف محررها، مع التنصيص على أن يمسك هذا السجل على دعامة ورقة أو الكترونية من طرف كتابة الضبط بالمحكمة التابع لها مكان تحرير العقد، ويخضع لرقابة رئيس المحكمة  أو القاضي المعين من طرفه، مع تحديد كيفية تنظيمه ومسكه بمقتضى نص تنظيمي.

ب – التنصيص على إحداث سجل وطني إلكتروني للوكالات يعهد بتدبيره إلى الإدارة، تتم من خلاله عملية إشهار جميع الوكالات المضمنة بسجلات الوكالات المتعلقة بالحقوق العينية والممسوكة من طرف كتابات الضبط بالمحاكم الإبتدائية ، مع تحديد كيفية تنظيمه ومسكه بمقتضى نص تنظيمي.

ج – التنصيص على أنه إذا كان محل الشركة المدنية عقارات أو أموال يمكن رهنها رهنا رسميا، وجب أن يحرر العقد المتعلق بها كتابة وأن يسجل على الشكل الذي يحدده القانون مع ضرورة تضمين بيانات محددة تحت طائلة البطلان.

د – التنصيص صراحة على اكتساب هذا النوع من الشركات للشخصية الإعتبارية، حتى يكون من الممكن إلزامها بالتسجيل بسجل الشركات المدنية العقارية، وربط اكتساب هذه الشركات للشخصية الإعتبارية بتاريخ تقييدها في هذا السجل.

هــ – التنصيص على مسك هذا السجل على دعامة ورقية أو الكترونية من طرف كتابة الضبط بالمحكمة التابع لها مكان تحرير العقد، مع إخضاع مسكه لرقابة رئيس المحكمة أو القاضي المعين من طرفه، وتحديد كيفية تنظيمه ومسكه  بمقتضى نص تنظيمي.

و – التنصيص على النقل التلقائي لتقييد الشركات المدنية المقيدة بالسجل التجاري في تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ إلى سجل الشركات المدنية العقارية ، وذلك داخل أجل سنة واحدة من التاريخ المذكور .

ز – إلزام الشركات المدنية التي يكون محلها عقارات أو غيرها من الأموال مما يمكن رهنه رهنا رسميا، والمؤسسة قبل تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ، أن تقوم بالتقييد في سجل الشركات المدنية العقارية داخل أجل سنة إبتداء من التاريخ المذكور.

5- وفي سياق التفاعل مع الأصوات الداعية لتعديل مقتضيات المادة 02 من مدونة الحقوق العينية، فقد تم تشكيل لجنة مختلطة للنظر في الصيغ الممكنة لتعديل هذه المادة، حيث انتهت اللجنة المذكورة من إعداد تصورها النهائي، وتم إعداد أرضية نهائية تستجيب للمطالب المقدمة وتحقق الأمن العقاري المنشود، مع وضع آلية لتعويض المتضرر ضحية الزور أو التدليس .

إنه بقدر اعتزازي بالحصيلة التشريعية المنجزة في مجال التصدي لظاهرة الإستيلاء على عقارات الغير وبمستوى النصوص القانونية التي تم إقراراها وجودتها وفاعليتها في تحقيق الغرض المطلوب، وحيث إن المناسبة شرط كما يقال، فإنني أغتنم هذا اللقاء لأعبر عن تقديري الكبير للمؤسسة التشريعية رئيسا و أعضاء، سواء بمجلس النواب أو مجلس المستشارين، وشكري العميق لكافة الفرق البرلمانية بلجنتي العدل والتشريع وحقوق الانسان بالمجلسين، على المجهودات التي تم بذلها لإخراج النصوص القانونية المذكورة أعلاه ، وعلى جو النقاش القانوني الرصين والهادئ الذي ميز الاشغال، وعلى الروح الوطنية العالية التي أبان عنها السادة البرلمانيون طيلة مناقشة تلك النصوص و تضحياتهم الكبيرة ، و صبرهم إلى ساعات متأخرة من الليل في أشغال اللجنة، وانخراطهم و تعبئتهم  في المجهود المبذول لمواجهة هذه الظاهرة و تنزيل مضامين الرسالة الملكية السامية، وحرصهم الشديد على إخراج نصوص قانونية جيدة وفعالة تمكن من محاصرة الظاهرة و التصدي لها في أقرب الاجال . لقد عكس حقا هذا الجو علاقة تعاون و تنسيق عالية بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، اغلبية ومعارضة، وساهم في النهاية في الخروج بهذه المحصلة التشريعية الإيجابية، فتحية تقدير واعتزاز مني إلى كل السادة البرلمانيين على هذا العمل الوطني المميز.  

أما على المستوى التنظيمي والعملي، فقد تم القيام بعملية جرد للعقارات المهملة بتنسيق بين وزارة الداخلية والوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، حصرت من خلالها اللجان المحلية بمختلف العمالات والأقاليم بالمملكة عدد العقارات المهملة في 8299، وبعد إحالة جرد هذه العقارات على مصالح المحافظة العقارية لتدقيقها تبين أن لائحة العقارات المحفظة المهملة تضم 4037 رسما عقاريا، وقد تم اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات لحماية هذه العقارات من خلال وضع تنبيه خاص يتضمن عبارة “عقار مهمل” بملف الرسم العقاري المعني، وكذا بقاعدة المعطيات العقارية المعلوماتية لدى المحافظة العقارية، مع حث المحافظين على الأملاك العقارية بالاحتراز الشديد في دراسة المعاملات والبت في الطلبات التي ترد عليهم والمتعلقة بالعقارات المهملة، كما أطلقت الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية خدمة “محافظتي”، كخدمة إلكترونية جديدة تمكن المالكين المنخرطين فيها من تتبع وضعية أملاكهم العقارية دون عناء التنقل إلى المحافظات العقارية، من خلال تلقيهم إشعارات عبررسائل نصية على هواتفهم المحمولة وبريدهم الإلكتروني كلما تم إدراج أي تقييد جديد بالرسوم العقارية المملوكة لهم .

    وفي نفس السياق تم إطلاق خدمات إلكترونية إضافية من طرف الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية  للمساهمة في دعم الاجراءات الوقائية للحد من حالات الإستيلاء على عقارات الغير، “كخدمة الإشهار العقاري الرقمي” التي تمكن المرتفقين من الإطلاع بكيفية مجانية على الإعلانات المنشورة بالجريدة الرسمية سواء تعلقت بمطالب التحفيظ أو الرسوم العقارية طالما أنها لا زالت في طورالنشر بالجريدة الرسمية، وكذا خدمة “طلب وتسليم الشهادات والوثائق بطريقة الكترونية” التي تمكن المرتفقين من تقديم طلباتهم والحصول على الشهادات والوثائق العقارية بطرق الكترونية.

واغتنم هذه الفرصة لأوجه أسمى عبارات الشكر والتقدير للأخ والصديق العزيزالسيد كريم التجموعتي المدير العام للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية على المجهودات التي يبذلها منذ تعيينه على رأس هذه الوكالة الإستراتيجية، والتي أنشانها بعد توليه مهامها خلقا آخر، وجعلها نموذجا يحتذى به من خلال تطويرها وتحديثها وتقريبها من المرتفقين عبر نظام الخدمات عن بعد التي أضفى عليها فاعلية ونجاعة يشهد بها المرتادون للموقع الإلكتروني الجديد للوكالة؛ كما أريد ان أجدد له شكري على تجاوبه الدائم و المستمر مع كل المبادرات و التوصيات المنبثقة عن اللجنة المكلفة بالتصدي لظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير، والتي لا يَذَّخِرُ  جهدا في إبداع وابتكار الحلول المناسبة لترجمتها على أرض الواقع، فكان وجوده معنا في هذه اللجنة قيمة نوعية مضافة لها . 

وفي نفس سياق الإجراءات التنظيمية تم اتخاذ الترتيبات اللازمة للتأكد من صحة الوثائق والعقود المبرمة بالخارج عبر مراسلة السلطات الأجنبية المختصة طبقا للاتفاقيات الدولية المعتمدة، واعتماد كافة القنوات الممكنة لتسريع وتيرة تنفيذ الإجراءات المذكورة من قبيل التعاون بين الهيئات المهنية للموثقين بالدول المعنية ومساعدة قضاة الإتصال المغاربة الموجودين ببعض البلدان الأجنبية في عملية التأكد من صحة الوثائق؛

وبغاية التأكد من صحة الوثائق المدلى بها، توصلت هذه الوزارة من الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية إلى حدود يوم الجمعة 13 شتنبر 2019 بما مجموعه 206 وثيقة، تم إنجاز المطلوب بشأن 195 منها، فيما تتابع مصالح وزارة العدل عن كثب مع القنوات المعتمدة إجراءات التعجيل بإنجاز ما تبقى منها و قدره 11 وثيقة.

    كما تم اتخاذ التدابير الضرورية بشأن احتفاظ كتابات الضبط بالمحاكم بنظائر من العقود المحررة من طرف المحامين، وتسجيلها وترقيمها في سجل خاص معد لهذه الغاية بناء على منشور سبق أن وجه من طرف هذه الوزارة الى السادة المسؤولين القضائيين والإداريين تحت عدد 18 س3 بتاريخ 21 فبراير 2017، مع العلم أن مشروع الرقمنة الذي تقوم الوزارة بتنزيله يضمن حفظ هذه العقود وتخزينها إلكترونيا، وبالتالي الحفاظ عليها من الإندثاروالضياع إما بسبب أفعال جرمية أو بفعل عوامل طبيعية أخرى .

حضرات السيدات والسادة الأفاضل ؛

لقد مكنت الإجراءات المتخذة منذ إحداث هذه اللجنة من محاصرة الظاهرة والحيلولة دون استفحالها، ولا أدل على ذلك من عدم تسجيل أي حالات جديدة منذ بدء تنزيل قرارات وتوصيات هذه اللجنة، والأكيد أن دخول القوانين الجديدة حيز التنفيذ، سيساهم في تحصين الملكية العقارية ببلادنا وسد الثغرات التي كان يستغلها مرتكبو أفعال الإستيلاء وسيقطع الطريق عليهم بصفة نهائية وسيحقق الحماية والردع المطلوبين .

وأود التأكيد بهذه المناسبة أنه بفضل المجهودات المبذولة، تمكنا فعلا من الحد من تفشي الظاهرة في أفق  القضاء عليها نهائيا بحول الله .

ولا يفوتني هنا الإشادة و التنويه بالمجهودات التي تبذلها مختلف وسائل الإعلام الوطنية التي تلعب دورا مهما من أجل تنويرالرأي العام بأهمية الإجراءات المتخذة للتصدي لهذه الظاهرة وكشف خطورة الأخبارالزائفة التي يتم الترويج لها وتأثيرها السلبي على الأمن العقاري للمغاربة وإستقرار المنظومة العقارية بالمملكة.   

إنه بقدراعتزازنا بالنتائج التي حققناها بهذا الخصوص، فإننا نؤكد على ضرورة استمرارالتعبئة الشاملة لمواصلة استكمال تنزيل كافة التوصيات  والقرارات، وإيجاد صيغ لتصفية القضايا المتعلقة بالإستيلاء على عقارات الغير المعروضة على أنظارالمحاكم وتسريع وتيرة البت فيها، وتيرة تراعي مبدأ استقلال القضاء و تكفل التطبيق السليم للقانون وتضمن البت في القضايا داخل أجل المعقول يعكس الفعالية في التعامل مع كل خرق للقانون الجنائي ويحقق الردع اللازم لصيانة الحقوق و ضمان الأمن القانوني والقضائي، ولعل الأرقام والإحصائيات التي سيتفضل بتقديمها ممثلا محكمة النقض                      ورئاسة النيابة العامة، ستعكس بجلاء المجهود المبذول بهذا الخصوص، وأستغل هذه المناسبة لتوجيه الشكر والتقدير للسيد الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية و السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ، رئيس النيابة العامة على تجاوبهما مع كافة المبادرات التي تتقدم بها وزارة العدل لتنفيذ التعليمات الملكية السامية الواردة في الرسالة الموجهة إلى وزير العدل بتاريخ 30 دجنبر 2016 والمراسلات ذات الصلة، كما أستغل هذه المناسبة للتأكيد على أن أشغال هذه اللجنة ستبقى مستمرة لمواصلة البحث واقتراح حلول وتدابيرإضافية تعزز تلك المتخذة وتسهم في تطويق الظاهرة وتحصين الملكية وتحقيق الأمن العقاري.

وقبل أن أختتم هذه الكلمة، أود ان أؤكد لحضراتكم أنه إذا كانت كل التوصيات والقرارات التي اقترحتها اللجنة المكلفة بتتبع ظاهرة الإستيلاء على عقارات الغير، قد اخذت طريقها نحو التنزيل والتفعيل والأجرأة، فإن هذا لن يمنع اللجنة من مواصلة عملها بكل حزم ويقظة، وبشكل دائم  ومتواصل لإقتراح مزيد من التوصيات والقرارات التي من شانها تعزيزالمكتسبات المحققة، وسد كل الثغرات التي قد يكشفها الواقع العملي .

مرة أخرى أجدد شكري وامتناني لكافة أعضاء اللجنة المحترمين على تجاوبهم الفعال والمستمر، آملا الاستمرار في التعاون إلى حين بلوغ الأهداف المنشودة تنفيذا للتعليمات المولوية السامية الموجهة إلينا من طرف جلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده .

                                                     و السلام عليكم  و رحمة الله تعالى و بركاته.