مجالس جماعية في المغرب: من خدمة المواطن إلى مقاولات عائلية!

تحولت المجالس الجماعية في العديد من مناطق المغرب إلى ما يشبه المقاولات العائلية التي تلتهم الموارد وتستغل المناصب لتحقيق الثراء، مما أفقد المواطن ثقته في المؤسسات المحلية. الحادثة الأخيرة التي شهدها إقليم القنيطرة، والتي تم خلالها توقيف خمسة مستشارين جماعيين بتهم التلاعب بالأصوات، تُعد نقطة تحول في تاريخ المجالس الجماعية في البلاد. حادثة قد تكون مؤشراً على بداية كشف الفساد المستشري في الهيكل المحلي الذي تحول إلى أداة للتحكم والابتزاز السياسي.

من يدير هذه المجالس؟ ومن يقف وراء تلك الخريطة الانتخابية التي تُصنع بعيداً عن أعين الناس؟ هل هي فعلاً انتخابات نزيهة أم مجرد لعبة لتوزيع المناصب بين أفراد محدودين يسيطرون على مقاليد الأمور؟ هذه الأسئلة تطرح نفسها بقوة اليوم بعد أن أصبحت المجالس الجماعية في إقليم القنيطرة، بل في العديد من المناطق الأخرى، محلاً للتلاعب بالأصوات واستغلال النفوذ لتحقيق المصالح الشخصية.

الانتخابات المحلية، التي يفترض أن تكون فرصة لتطوير المناطق وتحقيق العدالة الاجتماعية، تتحول إلى سوق رائجة لتوزيع المناصب بين العائلات والمقربين. المال الانتخابي أصبح أداة رئيسية للسيطرة على القرار المحلي، في حين يغيب التخطيط الاستراتيجي والتنمية الحقيقية. المشاريع التنموية تتعثر، والبنية التحتية تتدهور، والمواطنون يدفعون الثمن.

والأسوأ من ذلك، أن هذا الفساد لا يقتصر فقط على التلاعب بالانتخابات، بل يمتد إلى تعطيل المشاريع، وتفشي الجشع والإثراء غير المشروع، وكل ذلك يحدث في ظل صمتٍ رسمي وغياب المحاسبة. المسؤولون المحليون الذين يجب أن يكونوا في خدمة الشعب، تحولوا إلى تجار سياسات يتاجرون بمصير المواطنين لمصالحهم الخاصة.

ما يحدث في القنيطرة وما شابهها من مناطق، هو انعكاس لفشل كبير في النظام السياسي المحلي في المغرب. لا يمكن للمجالس الجماعية أن تظل مجرد أدوات لتحقيق الرفاهية لفئة معينة من الناس، بينما يرزح باقي المواطنين تحت وطأة الفقر والتهميش. وإذا استمر هذا الوضع، فإننا سنشهد تفاقماً للغضب الشعبي، وقد تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة.

الأمل الوحيد اليوم يكمن في محاسبة المتورطين في هذه الفوضى، والتحقيق في مصادر الأموال التي تدير هذه “المقاولات العائلية”. فإذا كانت هناك بداية صحوة ضمير، فإنها يجب أن تبدأ اليوم. لا يمكن للمجالس الجماعية أن تستمر في أن تكون مجرد مقرات لتوزيع المناصب، بل يجب أن تعود إلى أصلها كآلية لخدمة المواطن وتحقيق التنمية.

لقد آن الأوان لتغيير هذا النموذج الفاسد. فإن القضية ليست قضية “أشخاص”، بل هي قضية وطن، وقضية شعب يعاني ويصرخ في وجه الفساد.