مشروع قانون 20/22 الحقيقة الغائبة وقانون البديل

الوطن 24/ بقلم: حسن حلحول محام بالرباط

أسال مشروع قانون شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح وشبكات المماثلة 20/22 كثير من الأقلام، وعجت الكتابات، وتناثر المداد ذات اليمين وذات الشمال، وتضاربت التحاليل، وتبادلت الأطراف التهم، إلى درجت خرجت عن لباقة الحداثة والأخلاق الحوارية، وان ما أثار إنتباهي في هذا الزخم من الكتابات، هو أن بعض الأقلام أتت بتحليلات ما أنزل الله بها من سلطان، فإذا كان الإجماع على أن هذا المشروع مرفوض، وفيه ما فيه من تشويه سمعة المغرب في الخارج، كيفما كانت التأويلات التعسفية التي طالت نصوص الاتفاقية بودابست التي صادق عليها المغرب، في سنة 29 /6/ 2018 فان الطريقة التي ساجل الأطراف المعنية مشروع 20/22 فيه شيء من الفوضوية ولم ترق إلى السجال العلمي الهادف، كما أن المستوى الذي تم تناول فيه الموضوع بالانتقاد والتنديد والاحتجاج (المقصود هنا المتزايدين السياسيين وليس المواطنون المحتجون في الفضاء الاجتماعي) لمنع المصادقة على هذا المشروع كان دون مستوى، عندما تعرضوا للشخص في ذاته، فإنهم بذلك يسيئون إلى سمعة النخبة السياسية المغربية والى المغرب وما هكذا يساق الحوار.
فقد كان على المتراميين للتهم بشكل عشوائي والقاذفين في سمعة بعضهم البعض، أن يبينوا المنهج الحضاري والعقلاني للإطاحة بهذا المشروع، واختيار التحليل الموضوعي دون إقحام أطراف لا علاقة لها بالموضوع، والسؤال المطروح هو من قام بتحرير هذا المشروع ؟ فيتحمل مسؤوليته فإذا كان وزير العدل خرج وأفصح علانية على أنه اجتهد ووصل اجتهاده إلى ما وصل إليه بمعية مستشاريه من رجال القانون في وزارته لان الاستعانة بهؤلاء من المسلمات كما في كل الوزارات، وأن المسودة قابلة للدراسة والتعديل كما هو الحال في فرنسا التي سنة قانون مماثل لهذا المشروع، في هذه الحالة نسجل نقطة والرجوع إلى السطر لمناقشة ومساهمة في أغناء النقاش وإثراءه، وبالتالي لا يجوز أن يصل الأمر إلى طعن في شخصه، بأنه جاهل وانه لا مستوى له، فان ذلك يسيء إلى سمعة المغرب قبل أن يساء إلى كرامة الوزير، لأنه قبل تعيينه تم الاتفاق عليه ثم المصادقة على اسمه من طرف جهات عليا، والطعن فيه بالجهالة هو طعن في هذه المؤسسات ولا يليق ذلك خصوصا وأن الموضوع فيه أخذ ورد والشعب والمغربي ليس بقاصر أولا يفهم ما له وما عليه، وبالتالي النقاش الهاديء هو السبيل الوحيد للتعبير عن المستوى الراقي والحضاري لفك أي معضلة، فكل مشكلة لها حلها، وإن إقتضى الحال على الأقل التدرج في اتخاذ المواقف ولا يصل الأمر إلى حد إستعمال الألفاظ غليظة تمس بالأشخاص.
أن ما يقع بين الاتحاديين (الاشتراكيين) و(العدليين الإسلاميين ) و(الباميين الحداثيين) من حرب كلامية هي حرب انتخابية قبل أوانها في زمن كورونا واستعدادا لما بعد كورونا، فهذه الأحزاب تتسابق الزمان لتتصدر واجهة الأحداث في زمن كورونا ولم تجد ضالتها سوى في هذا المشروع، فلم تقدم هذه الأحزاب وغيرها بأي شيء للجماهير الشعبية سوى ما يتعلق برفع شعار ” بقى فدارك” وأدرك شعبنا أن هذه الأحزاب هي أحزاب تدبير فترة الرخاء ولا دور لها في فترة الشدائد فالفضل كل الفضل في تدبير هذه المرحلة الصعبة والحرجة من تاريخ المغرب يرجع إلى السدة العالية بالله أدام عزه، طبعا فمن تجليات هذه الظروف العصيبة التي اجتاحت العالم والمغرب هوان كل لحظة في اليوم الحركية التغير دون أن نلمس ذلك، وبالتالي فان الساحة السياسية المغربية هي بدورها ستتأثر بهذا التغيير الذي هو نتاج وباء كورونا وستتغير شاءت أم أبت للتعاطي مع المرحلة ما بعد كورونا، فالأحزاب السياسية لم يبرز لها أي دور ولم تقدم في هذه الفترة بأي مقترحات سياسية أو إجتماعية أو إقتصادية أو أي دراسات بنظرة مستقبلية في أفق إعطاء أجوبة عن الأسئلة التي يطرحها الشارع المغرب ماذا سيقع لنا بعد انقضاء هذا الوباء ؟ وماذا أعدت هذه الأحزاب من المقترحات بديلة لما بعد كورونا ؟ باستثناء مبادرة التجمع الوطني قلنا هذا والدليل على قولنا هو أن هناك من المقالات اعتبرت أن مشروع 20/22، جاء في ظروف مرتبطة بالانتخابات 2021 من اجل ضرب قوة حزب العدالة والتنمية، وكسر شوكته، المقالة تحت عنوان “الظرفية السياق والا بعاد ” حسب تعبير صاحب المقال اعتبر أن الوقت الذي عرض فيه هذا المشروع ، خبيث بدعوى إن الحكومة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني منشغلون بجائحة كورونا فربط التوقيت بالانشغال ،ولم يربطه بعدم جواز صناعة التشريع من هذا النوع في فترة حالة الطوارئ كعلة للقول بالخبث بل ارجع هذا الأخير للانشغال، وبالتالي تكون فرصة لتمريره، فهذا الاعتقاد خاطئ لان كل الناس منشغلة عن بعد من ديارهم بهموم المجتمع سواء كان الهم سياسيي أو اقتصادي أو أمني، بمقتضى مرسوم بمثابة قانون المتعلق بالطوارئ الصحية الذي أفضي بالحجر الصحي، إذن الشغل الشاغل عند المتتبعين والسياسيين في هذه الفترة وهو التتبع كل شيء أكثر من أي وقت مضى لا يتركون صغيرة ولا كبيرة في الفضاء الاجتماعي الا وخاضوا فيها، ولما سرب هذا القانون فان كل الناس اندفعوا دفعة واحدة معلنين احتجاجهم معلقين بشدة لمنع المصادقة عليه.
إن النمط الفكري الذي اعتمده صاحب المقال في تحليله لم يكن منطقيا، اذ نلاحظ عدم الربط بين الفقرة وفقرة وغير منسجمة ومتناقضة في جل الأحوال، فقوله في الفقرة الرابع الذي استعمل فيه المنهج الديكارتي الذي شكك في أن يكون هذا المشروع من أفكار السيد وزير العدل وأن تفاصيله وأسلوبه أكبر من حجم الوزير وحزبه فالتراجع يا أستاذي إلى تاريخ هذا الحزب لتتعلم منه الكثير وإن لم أقل هو المدرسة الذي تعلم منه حزبكم منهجية صياغة القوانين، كما أضاف أن لا وزير الاتحادي ولا وزراء التجمع الوطني للأحرار لهم من المؤهلات القانونية والخطابة مايساعدهم على الدفاع عن المشروع، وأن من سيقوم بهذه المهمة هو وزير الداخلية الذي تجبر وله تكوين قانوني حسب صاحب المقال، وهذا غير صحيح،علما أن تكوين وزير الداخلية حاصل على بكالورية الرياضيات ثم استكمل دراسته في الدار البيضاء لمدة سنتين في نفس الشعبة، ثم استكمل رحلته إلى فرنسا فتخرج الدكتوراه الفخرية كمهندس في القناطر فأين هو من القانون .
الغريب إن هذا الأسلوب المستعمل هو أسلوب يفتقر إلى الموضوعية والدقة ، كيف يمكن اعتبار أفكار هذا المشروع أكبر من حجم الوزير وحزبه، فليس في 25 فصل من المشروع ما يوحي أن أسلوبه فيه إعجاز، وألفاظه معجزة وتركيبه من المستحيل المسك به، وانه خص الله بها وزير العدل، فهذا الكلام هراء في هراء، فالتعلم أن أي وزارة تكون محفوفة بالمستشارين وهؤلاء في وزارة العدل هم صفوة من قضاة المغرب يكونون لجنة لدراسة وصياغة القوانين .
أما بخصوص من وضعه،فمسطرة إيداع مشاريع قوانين من قبل الوزراء معروفة، فالسيد رئيس الحكومة هو أول من يضع يده عليه، ويتم دراسته ومناقشه من قبل جميع الوزراء ومن بينهم وزراء العدالة والتنمية، إذن السؤال الذي كان يجب طرحه هو من سرب هذا المشروع من مجلس الحكومة .
أما من سيدافع عنه وأن ليس لوزير العدل وكذا وزراء التجمعيين مؤهلات القانونية والخطابية، فقبل أن تستكشف مؤهلات هؤلاء، يجب أن نحدد أولا مؤهلات الطرف الذي سيبسط أمامهم الدفاع ونستكشف مؤهلاتهم، فبرلمانيين العدالة والتنمية لا يملكون ناصية كيفية مناقشة القوانين ولا يملكون مؤهلات العلمية والمخبرية حتى يفهموا خطاب الملقي، ولا يملكون أيضا فن الخطاب الاقناعي ويملكون بدل ذلك الخطاب التعصبي، إذن لا داعي للقيام بأي مجهود دفاعي لا على مستوى القانوني ولا مستوى الخطابي تجاه أطراف لا تملك أصلا أي شيء حتى أبجديات فهم القوانين. حاولت أن أفهم ما هي الدوافع التي جعلت كاتب المقال أن يقحم وزير الداخلية في موضوع كهذا، فطرحت الأسئلة على نفسي هل ينوب عن شخص معين دفعه للقول بهذا، أم جهة معينة داخل الحزب العدالة والتنمية، فالرجل مشغول منهمك مع أشغاله في هذه الظروف الحرجة يشتغل ليلا و نهارا إلى جانب جلالة الملك مباشرة، فهو اختلط عنده الليل بالنهار وبعيد عن دهاليز المؤامرات الحزبية الضيقة، فهمه الوحيد هو أن السفينة التي نركبها لا يجب أن تغرق، وان تصل إلى بر الأمان، فإذا كان جاء في مقالك أن الحكومة منشغلة بجائحة كورونا، فإننا نجد الانشغال الحكومة يتجسد في شخص وزير الداخلية وحده دون غيره من الوزراء لما تفرضه عليه مهام واختصاصات وزارته، يستفاد من ذلك أن الرجل (ممسوقش لكم كيدير اشغالو) فلماذا هذا الغيض والبغض والحقد والحسد، اتقوا الله واتركوا الناس في أشغالهم وكفى من القيل والقال، الذي لا يجدي نفعا،.لا يرحم الله من لا يرحم الناس، فارحموا الناس في أعراضهم.
فالحقيقة الغائبة في الموضوع هو من قام بتسريب المشروع، وما هي الأهداف الحقيقية وراء هذه الزوبعة المقيتة في هذه الظروف؟ فالحق أن التجمع الوطني للأحرار بعد أن كثر الكلام الباطل عنه، جاء بيان المكتب السياسي الذي جاء فيه بالحرف لن يقبل تحت أي تأثير التراجع عن المكتسبات المتعلقة بالحقوق والحريات ومجالات ممارستها، وهذا الموقف يتماشى مع مبادئ الحزب الذي يجعل من الإنسان المغربي محور سياسته، وإن إقحام التجمع الوطني للأحرارعنوة وتعسفا في هذا الموضوع لإخفاء الحقيقة وصرف النظر عن من كان السبب في هذا المشروع، يتنافى مع الأخلاق ويتنافى مع المروءة والأعراف السياسية .
إن النأي عن حبك المؤامرات والترفع عن الدسائس والاتجار في لغو الكلام، يجعلنا أن نعيد للمواطن المغربي ما بعد كورونا ثقته في الهيئات والمؤسسات السياسية الممثلة في الأحزاب السياسية، فبدل التوجه إلى تقديم الدراسات والمقترحات استعدادا لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية لما بعد كورونا، اتجهت بعض الأحزاب تتسابق الزمان لإثارة النقاشات وفتح الجبهات والمعارك خسارتها في مهدها . فالحق حق اقول أن التجمع الوطني للأحرار هو الحزب الوحيد الذي كان له بعد استراتيجي في التفكير لما هو آت وقادم ما بعد كورونا، وذلك عندما عرض على قواعد الحزب وعلى عموم الناس أرضية وورقة لنقاش المشاكل المالية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية للمواطنين ما بعد كورونا ولما طرحت هذه الأرضية، لم تطرح لإغراض انتخابية، وإنما للمساهمة من موقع المسؤولية مع جميع شرائح المجتمع في إيجاد الحلول للمشاكل المستقبلية قانون البديل.
لقد كان على النخبة السياسية والقانونية أن تتفاعل مع النص بتفاعل عقلاني ، لتعبر عن مستوى هذه النخبة لما لها من حكمة وتبصر في النظر إلى الأشياء، وان تعلق وتنتقد برزانة، وليس بالطريقة العشوائية والشعبوية، أننا كلنا نعلم أن التطرف في الرأي والتعصب فيه، لا يفضي إلي النتيجة .لان من يرفض أي مناقشة في الموضوع ويشهر جهله بإسقاط المشروع ، والتصدي لأية محاولة تشريعية تحمي الأمن الاقتصادي للبلاد، فإنه مخطئ. وأن جادة الصواب والعقل وهو النبش والبحث في بديل لهذا النص.
وباعتبار أن النخبة تتبوأ مكانة توسطية، بين السلطة وعامة الناس، فإن المهمة المنوطة بها هي الجسم، فالمطلوب منها أن تحافظ على حماية المكتسبات من حق في حرية التعبير وهي مقدسة، والحق في حماية الاقتصاد الوطني من اي أيادي تخريبية سواء كانت داخلية اهو أجنبية عدائية تسخر أيادي مغربية، وحتى أن نحقق التوازن فإن البديل للنص الحالي هو أن نفتح الباب للجميع لتقديم مقترحات جادة وحقيقية تحمي المؤسسات الاقتصادية وفي نفس الوقت تصان حرية الرأي والتعبير المسئول في إطار قانوني ومشروع.