مِنْ على الكُرْسي … المشهد الرابع

الوطن 24/ بقلم: ذ: ادريس بن شامة Minalakorssi@gmail.com
كرسي بحديقة دأبت على الجلوس عليه للتمعن والتفكر في خلق الله، في الحقيقة لم يعد كما صممه صانعوه وواضعوه بهذا المكان؛ لأنها نزعت منه بعد الخشبات. وهكذا، كل شيء عمومي في بلدي لا يبقى سوى ايّام وأيدي التخريب تطاله.
جلست هذا المساء على الكرسي، طلبا للاستراحة بعد حصة المشي، وعودة بذكرياتي في هذا الكرسي. ولم أكد اجلس حتى أقبلا شابان تجاوزا العشرين بقليل.
أما أحدهما فلباسه بسيط ولكنه نظيف وأنيق، تسريحة شعره تدل على الرزانة والثبات. واما الاخر فيبدو من الجيل المتأثر بلباس الفنانين واللاعبين، سروال تجينز ترى من خلال ثقوبه لون جلده، وتسريحة شعر ما هي بتسريحة ولكنها لوحة لفنان سوريالي تحتوي من الرموز ما يعجز عن وصفه او اعادة رسمه.
توقف حديثهما عندما وصلا بقربي، جلسا بجانبي بعد ان ألقى علي أحدهما التحية فرددت بأحسنها.
قال لصاحبه (وكأنه يكمل حديثه): وصلت قبل الظهر من السوق بعد ان بعت ما جمعت من أعشاب، وأخذت حماما وبدلت ملابسي وأخذت قيلولتي، وجئت ألقاك يا صديقي العزيز.
– الا زلت تذهب الى الطبيعة، تجمع الأعشاب! ؟ … مقابل ماذا …!؟ دريهمات.. وعندما تنهي هذه الأعشاب ماذا انت فاعل إذا؟
– خيرات الطبيعة لا تنضب يا صديقي رضوان.
– ولكن هذه العمل التي تقوم به يتطلب جهداً، وبه مشقة كبيرة، ويحط من قيمتك الاجتماعية
– ان اعمل خير لي من ان أمد يدي الى لآخرين طلبا للعون والصدقة ، او اغتصب مالهم دون وجه حق.
– اولا تذكر الحديث الشريف: (( أنَّ رجلًا من الأنصارِ أتَى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فسأله فقال أما في بيتِك شيءٌ قال بلى حِلسٌ نلبسُ بعضَه ونبسطُ بعضَه وقعبٌ نشربُ فيه من الماءِ قال ائتني بهما فأتاه بهما فأخذهما رسول ُاللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيدِه وقال من يشتري هذَيْن قال رجلٌ أنا آخذُهما بدرهمٍ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من يزيدُ على درهمٍ مرَّتَيْن أو ثلاثةً قال رجلٌ أنا آخذُهما بدرهمَيْن فأعطاهما إيَّاه وأخذ الدِّرهمَيْن فأعطاهما الأنصاريَّ وقال اشترِ بأحدِهما طعامًا فانبُذْه إلى أهلِك واشترِ بالآخرِ قَدومًا فائتني به فأتاه به فشدَّ فيه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عودًا بيدِه ثمَّ قال اذهبْ فاحتطبْ وبعْ ولا أرينَّك خمسةَ عشرَ يومًا ففعل فجاء وقد أصاب عشرةَ دراهمَ فاشترَى ببعضِها ثوبًا وببعضِها طعامًا فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم هذا خيرٌ لك من أن تجيءَ المسألةُ نكتةً في وجهِك يومَ القيامةِ إنَّ المسألةَ لا تصلُحُ إلَّا لثلاثٍ لذي فقرٍ مُدقِعٍ أو لذي غُرمٍ مُفظِعٍ أو لذي دمٍ مُوجِع.
في هذا الحديث أرشد الرجلَ الى العمل والكسب الحلال.
– وأين الحطب لكي نحطبه ونبيعه، ولمن يباع؟
– يا صديقي رضوان الرسول صلى الله عليه وسلم أرشدنا الى العمل والبحث عنه ، وإلى الطبيعة الغنية. وهذا خير من ان نبتز اخوتنا وآباءنا، بدعوى عدم إيجاد شغل.
– ألم نذهب سويا للمعامل ولم يشغلونا. لا يستخدمون الا البنات.
– وإذا لم نجد عملا في المعامل، والضيعات، ولم نجد وظيفة ؛ أنجلس عالة دون عمل؟
– ما ذَا افعل اذا ومستواي الاجتماعي ، وكلام الناس والجيران ، وهذه الاعمال التي تقوم بها لن ترفع من مستواك الى أحسن ….
وأنتم يا أصدقائي ما رأيكم في هذا النقاش، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “اذهب، فاحتطب، وبع”
وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يعمل بيده الشريفة، ويؤجر نفسه بتمرات، لاستخراج الماء من البئر. وهذا خير من التسول او نبقى عالة على أسرنا ونحن في سن العطاء والعمل.
في نظري انه الجشع الذي اصاب قلوبنا، والطمع بما في أيدي غيرنا، هو الذي يدفعنا ان نبقى عالة على أسرنا ومجتمعنا. لنتغير أصدقائي ونغير أساليب وطرق تفكيرنا. فالله تعالى يقول: إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11]
انتظرونا يوم السبت القادم، في هذا الركن على جريدتنا الالكترونية الوطن24 وكل سبت، لعل الحياة تجود علينا بمشهد أفضل، وبموضوع للدراسة والنقاش أحسن، فلا تنسوا التفاعل معنا. فنحن ننتظر اقتراحاتكم، آراكم، مشاهد ترونها أفضل وافيد.