يستخفون بالمؤسسات ويسيئون إلى الوطن.
الوطن 24/ بقلم: سعيد الكحل.
حين اشتد سعار رئيس الفريق البرلماني للبيجيدي ضد نشطاء الفيسبوك الذين يطالبون بإلغاء معاشات البرلمانيين والوزراء ومنع الجمع بين التعويضات عن المهام الانتدابية، معتبرا مطالبهم “شعبوية” ومتهما إياهم بالتشويش على عمل المؤسسات وتبخيسها وعرقلة عملها، لم يكن قصده الدفاع عن المؤسسات الدستورية ولا احترام تخصصاتها ولا حتى الدفاع عن صورة المغرب وسمعته الخارجية. وعلى امتداد العمل الحزبي للبيجيدي ظل سلوك الإساءة إلى المؤسسات الدستورية وتشويه صورة المغرب الخارجية عقيدة ثابتة لدى الحزب وقيادته. وسواء كان الحزب في المعارضة البرلمانية أو الأغلبية الحكومية، فإن عقيدته الإيديولوجية التي تميز تنظيمات الإسلام السياسي تجعل مواقفه السياسية تخلو من أي ولاء للوطن. لهذا ظل الحزب وفيا لعقيدته الإيديولوجية محافظا عليها حتى وإن تعارضت مع المصالح العليا للوطن أو أضرت بها. فالعمى الإيديولوجي يلغي الولاء الوطني. وتكفي الأمثلة والمواقف التالية لمعرفة أي الأطراف هي المسيئة للوطن والمستخفة بالمؤسسات الدستورية:
1 ـ حين حركت محكمة الاستئناف بفاس ملف مقتل الطالب أيت الجيد بإعادة محاكمة العضو القيادي للحزب حامي الدين أرغد وأزبد رئيس الحكومة حينها والأمين العام السابق للحزب متحديا الدولة ومؤسسة القضاء والدستور الذي يشتغل في إطاره بأنه وحزبه لن يمتثلوا للقانون ، فظلت صيحته أمام أعضاء حزبه “لن نسلمكم أخانا” دليل استخفاف الحزب بمؤسسة القضاء وتحديه للدولة. إن الصورة التي يقدمها عن المغرب في المحافل الدولية هي أنه بلد الفوضى واللاقانون وضعف المؤسسات. فكيف يمكن للمستثمرين الأجانب أن يثقوا في قضاء المغرب ويأمنوا على أموالهم في بلد يتحدى فيه الحزب الذي يقود الحكومة مؤسسة القضاء؟ ومن يضمن لهم أن شركاءهم الاقتصاديين لن يقتدوا بالحزب في عصيان القضاء وتحديه؟
2 ــ بيان الأمانة العامة للحزب الذي أعلنت فيه تضامنها مع رؤساء المجالس الترابية الذين تم فتح تحقيق قضائي معهم بناء على الاختلالات المالية التي رصدتها تقارير المجلس الأعلى للحسابات ، بحيث أكد الحزب على موقف “التضامن، والدعم، والمؤازرة لكل منتخبي الحزب”؛ وبدل المطالبة بالمحاكمة العادلة وربط المسؤولية بالمحاسبة كما ينص الدستور ، سارعت قيادة الحزب إلى تقديم الرؤساء والمستشارين البيجيديين “ضحايا” ” يتعرضون للاستهداف السياسي، أو الإعلامي، أو الإداري في القيام بمهامهم الانتدابية، وأدوارهم التنموية، على الرغم مما يتحملون، ويقاسون في سبيل ذلك، خدمة لبلدهم”. هذا هو مفهوم النزاهة الذي يتغنى به الحزب . إن موقف الحزب هذا هو استخفاف وقح بجهود وتقارير مؤسسة دستورية وهي المجلس الأعلى للحسابات وكذا بمؤسستي القضاء والنيابة العامة اللتين يعملان في إطار القانون. الحزب فعلا وضع نفسه في مواجهة الدولة ومؤسساتها لما أعلنت قيادته “لن نسلمكم أخانا” ثم لن تتخلى عن منتخَبي الحزب أيا كانت التهم الموجهة إليهم أو الجرائم المالية التي ارتكبوها.
3 ــ الحضور المكثف لجلسات محاكمة أعضاء الحزب والذي يراد منه ترهيب القضاة والدولة معا خصوصا لما تتصدر قيادة الحزب عمليات الإنزال الكثيف لأعضائه بمحيط المحكمة. هذا التجييش هو رسالة إلى الدولة أن الحزب قوة فوق القانون ودولة داخل الدولة على استعداد لأي شيء مقابل حماية أعضائه مهما كان خرقهم للقوانين أو الجرائم التي يرتكبون. فالحزب لا يعمل على احترام القانون بل يصر على خرقه.
4 ــ الضغط لعدم دسترة حرية الاعتقاد أثناء مراجعة الدستور سنة 2011. إذ ظل الحزب يهدد بالنزول إلى الشارع والالتحاق بحركة 20 فبراير ودفع البلاد إلى المجهول إذا تمت دسترة حرية الاعتقاد. والحزب يدرك جيدا أن حرية الاعتقاد والضمير مبدأ جوهري في النظم الديمقراطية وحق أساسي من حقوق الإنسان في بعدها الكوني لكنه يصر على جعل العقيدة الإيديولوجية فوق مصلحة الوطن والتزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان. هذه هي الإساءة الخطيرة للوطن وما يترتب عنها من أضرار اقتصادية وسياسية ودبلوماسية.
5 ــ الضغط لتجريم الإجهاض والعلاقات الرضائية بين البالغين ، إذ متى طرحت الهيئات الحقوقية والحركة النسائية مطالبها بضرورة رفع التجريم عن الإجهاض لما يتسبب فيه من مآسي صحية ونفسية واجتماعية للأمهات والأطفال (ما بين 800 و 1000 حالة إجهاض سري يوميا) ، إلا وسارع الحزب إلى تجنيد كل قطاعاته الموازية (برلمانيين ، نساء، شباب ، مدرسي التربية الإسلامية، فقهائه..) بهدف الضغط على الدولة حتى لا ترفع التجريم عن الإجهاض وعن العلاقات الرضائية علما أن 8 في المائة من نزلاء السجون هم من المحاكَمين بسبب تجريم هذه العلاقات. هذه هي الصورة المخدوشة التي يسوّقها البيجيدي لدى دول العالم عن المغرب (بلد قمع حرية الاعتقاد والتفكير وقهر المرأة وتعنيفها..). بل الأغرب هو تقديم المغرب بموقفين متناقضين: موقف الوزارة المكلفة بحقوق الإنسان التي يتولى حقيبتها مصطفى الرميد المدافع عن تجريم العلاقات الرضائية، وموقف المجلس الوطني لحقوق الإنسان المطالب برفع التجريم، ولنا أن نتصور الوضع الحرج للمثلي المغرب في المحافل الحقوقية الدولية بسبب هذا التناقض. لنذكر جميعا الانتقادات الحقوقية الدولية للمغرب عقب اعتقال ومحاكمة هاجر الريسوني بسبب الإجهاض والعلاقات الرضائية والتي لم يوقفها سوى العفو الملكي عنها. حملة حقوقية كلفت المغرب الكثير.
6 ــ الضغط لتزويج القاصرات الذي ظل الحزب ولا يزال يمارسه على الدولة ضدا على الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي وقعها المغرب للنهوض بأوضاع النساء ومنع كل أشكال التمييز والعنف ضدهن. فالحزب ظل سجينا لعقائده الإيديولوجية التي تعتبر الأنثى أيا كان سنها، موضوعا جنسيا دون أن تكون له الجرأة السياسية والأدبية لمراجعة عقائده ومواقفه بما يتناسب مع قيم العصر ومنظومة حقوق الإنسان والتزامات المغرب الدولية. فهل يدرك الحزب مدى الأضرار الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية التي يلحقها مثل هذا الموقف بمصالح المغرب العليا؟ لقد ناهض الحزب منذ تسعينيات القرن الماضي مطالب الحركة النسائية بالرفع من سن الزواج، وحين فشل لجأ إلى استعمال كل أساليب الضغط على الدولة قصد الإبقاء على زواج القاصرات الذي صار قاعدة بعد أن جعلته مدونة الأسرة استثناء.
7 ــ مناهضة ولاية المرأة على نفسها وأولادها. فالحزب سجين عقائده التي تعامل المرأة ككائن ناقص بحاجة إلى من يرشده ويوجهه. لهذا ناهض مطالب الإقرار بحق المرأة على أن تتولى أمورها وأمور أبنائها. وقد جند الحزب فقهاءه وشيوخه لتوظيف التأويل المتشدد للدين كسلاح يحسم به معركة ولاية المرأة على نفسها وأولادها بما ينسجم مع عقيدة الحزب ضدا على الاختيار الحداثي للشعب المغربي. ولازالت مذكرة الحزب وبياناته توثق لفتاوى تبخيس النساء ومناهضة حقوقهن ومساواتهن .
هذه هي الصورة التي يريد البيجيدي تسويقها عن المغرب في المحافل الدولية ويقدمه كبلد تغتصب فيه حقوق النساء ويُخرق دستوره وتُعطل قوانينه. فالبيجيديون هم من يسيئون إلى الوطن ويبخسون المؤسسات ويخرقون القوانين ويعطلون الدستور.