هل أن جائحة كورونا مفاجئة؟

الوطن 24/  مدريد: سامر الناصر: SamerAlnasir@                              

الدكتور سامر الناصر

كان المجلس السياسي لحلف شمال الأطلسي على علم مسبق منذ سنة 2010 بوقوع جائحة صحية إبان سنة 2020. حيث أن وثيقة التوصيات لإقرار المفهوم الإستراتيجي الثامن للحلف والمُنتخبة بتأريخ 17 أيار (مايو) 2010 لإعداد المفهوم الإستراتيجي الثامن لسنة 2020 تطرقت إلى المخاطر المستقبلية فنصت حرفياً على ما يلي:

«تغيرات في البنية السكانية مما قد تفاقم مشكلة الفقر العالمي، الهجرة غير الشرعية، الأمراض الوبائية».

(OTAN, p. 13)

أيُّ تحذير أكثر من هذا كان المجلس السياسي للحلف ينتظر لاتخاذ إجراءات لتلافي الجائحة التي يتهم الصين الآن بتسببها؟ أو يدعي عدم الاحتياط لها؟ بل وإن مجرّد هذا التحذير بحد ذاته لهو أول مَحَكْ لبناء المسؤولية ونفيها عن الصين. حتى أن هذا التحذير بحد ذاته يتوافق اليوم مع تخمينات خبراء البنك الدُوَلي بأن تداعيات الجائحة قد تُدني ما يقارب من 8% من سكان العالم، أي قرابة خمسمئة مليون نسمة إلى مستويات الفقر التي كان عليها العالم إبان سنة 1998. أي أن العالم يجب أن يستعد لنسيان أهداف التنمية المستدامة 2030، لقرنين من الزمان أو أكثر.

من جانبه برنامج الأمن الإستراتيجي الأمريكي لسنة 2017 لم يفت عليه الأمر، بل نص على ذلك من أولوياته الإستراتيجية للعمل بالتعاون مع أمم أخرى في سبيل «التحري والعمل على الوقاية المسبقة من الأوبئة والجوائح» US-NSS, لكن بالرغم من هذا، وبالرغم من أدراجه ضمن الخطة الإستراتيجية، إلّا إن الإدارة الأمريكية التي تعمل على حكم العالم عن طريق تويتر برسائل نزيل البيت الأبيض، أقرَّ بموجب تغريده تويترية غلق البرنامج الفدرالي للأوبئة والأمراض إبان شهر أيلول (سبتمبر) 2019، بل وبنفس السياق العشوائي أقرَّ تخفيض كادر ممثليه مكتبها في بكين من 47 إلى 14 فرد، ليتركها كمجرد ممثليه رمزية.

يبدو أن الجميع كان على علم، بل أكثر من ذلك، حيث قام كبار أعضاء الكونغرس الأمريكي باستغلال الأمر ببيع جميع أملاكهم في أسواق المال الأمريكية بمئات ملايين الدولارات إبان أول أسبوع من شهر شباط (فبراير)، بنفس الوقت الذي كان فيه وزير خارجيتهم يشحن المنابر في مؤتمر ميونخ ضد توسُّع الصين في بحر الصين الذي يضايق سواحل كاليفورنيا الأمريكية بالرغم من الآف الكيلومترات التي تفصلهما، وعن اكتساح هواوي الصيني المُضر بمصالح الأبل الأمركي، أي استعمل منبر مؤتمر ميونخ للتمويه عن تفاقم الجائحة، بدل من استغلاله للنقاش بتداعياتها.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن في إعلان منظمات المجتمع الاستخباري الأمريكي عزمها على جمع المعلومات والأدلة لتوجيه المسؤولية ضد الصين، ومن ثم دعوة وزير خارجيتهم لأن يتحد العالم لإجبار الصين لتكبّل أضرار الجائحة بسبب سوء إدارتها وعدم تحذير الآخرين من تفاقمها. فهل يا ترى أن الآخرين فعلاً كانوا يجهلونها لتكبيل المسؤولية على عاتق الصين؟ أم كان حلف شمال الأطلسي يعلم وتغاضى؟ أكانت تجهل الإدارة الأمريكية فعلاً؟ أم أن متطفلين منابر التحليل الإستراتيجي الأمريكية ومتدربيهم الجدد لم يراجعوا التأريخ بعد؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *