أنماط التدين الطبقي (في الملل الثلاثة) الجزء الأول

الوطن24/ الباحث: حسن حلحول 

إن الدين عند الله هو التوحيد مصداقا لقوله تعالى ” آمن الرسول بما انزل اليه من ربه ،والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرق بين أحد من رسله، وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير “، إن الديانات التوحيدية التي توحد الله هي الإسلام والمسيحية واليهودية، فهي تشترك في توحيد واجب الوجود، وأن الوجود وجد بوجوده، ولا وجود بدون وجوده كما ان لا وجود إلا بوجوده، كان الله ولا وجود وهو على ما كان عليه قبل خلق الوجود، ويبقى على ما كان عليه بعد فناء الوجود.

اعلم ان تعريف قاعدة النمط اصطلاحا تعني الأسلوب والطريقة لجماعة من الناس يجمعهم امر واحد في نمط التدين الذي يختارونه للعيش به وكيفية التفاعل معه، كل حسب وضعه الاقتصادي في المجتمع الذي يكتسب من خلاله قناعاتهم العقائدية، قطعا أن نمط التدين عند أهل السنة والجماعة يختلف من بلد لآخر، التدين المغربي يختلف عن التدين السعودي كما يختلف عن التدين المصري والعراقي والشامي،والتدين السلفي يختلف عن التدين الشيعي.

إن اللافت الانتباه هو أن النمط الاقتصادي يحدد نمط التدين في المجتمعات البشرية، إن أعظم تقسيم أنماط التدين ظهر عندما انفصلت المدينة  عن البدو وتحولت القبيلة الى مركز وظهرت الفوارق الطبقية فيها، وتوسعت الدول للاختلاط مع شعوب أخرى، أفرزت الطبقات في التدين ،وباعتبار الديانات التوحيدية ، جاءت كمرحلة متقدمة من مراحل التدين البشري، أي كانت البشرية تتخذ الطبيعة والحيوانات والأحجار والكواكب  آلهة تعبدها، إلى أن ظهرت الديانات التوحيدية استطاعت أن تلغي التدين الوثني وتسقطه، ويحل محلها عبادة الله الواحد الأحد.

إن اختلاف التدين في مجتمع معين يدين بالدين الواحد ،يرجع إلى اختلاف طبقات المجتمع ووضعها الإجتماعي،كل طبقة لها مصالحها تحميها، وهي أربع طبقات:

1) الطبقة الحاكمة التي تحافظ على نظام الحكم

2)الطبقة البرجوازية المسيطرة على وسائل الإنتاج

3)الطبقة المتوسطة علماء الدين والنخبة المثقفة

4)الطبقة البروليتاريا الفقراء

إعلم أن معتقد كل طبقة ينبني على أسس الطبقة الإجتماعية التي ينتمي إليها، ولا يمكن أن يفرط في نمط تدينه (اي في المعتقد الطبقي )من أجل الحفاظ على الوضع الذي فيه بمقضى تدينه الخاص به، وإن كان جميع الطبقات تشترك في الطقوس من حيث الشكل، فإنها تختلف فيما بينها من حيث روح مضمون التدين كالاختلاف بين التكامل والمجموع في علم الرياضيات، فالعقيدة إذن هي الأيديولوجية المعبرة عن المصالح الطبقية من الطبقات، ومن ثم يسمح لنا طرح السؤال كيف يحدد التدين ومن يحدده؟ وهل يحدد أفقيا أم عموديا طالما تدين الشعوب ليس واحدا؟ يمكن القول أن التدين تتداخل فيه سياقات متعددة تتشكل بأشكال ظاهرية تجتمع وتتوحد في طقوسه جميع الطبقات ، وباطنية إيمانية تختلف فيها حسب مراتب التشدد والمرونة، فالتشدد والتطرف والمبالغة في الحفاظ على كل ما هو نافلة من النوافل والافراط بالمظاهر الشكلية كاللحية والباس، يفسر عند الطبقة البروليتاريا والفقيرة على انه تعبير عن قوة الإيمان وتزايده طالما ينتمي إلي هذه الطبقة الكادحة، فإن الايمان يبقى في تزايد مستمر مما يخلق معه  الصراع الطبقي الديني، ويتناقص الإيمان عند ذوي التدين المرن لدى الطبقة البرجوازية، التي تعتمد في تدينها على ظروفها الاقتصادية والإجتماعية ووظيفتها، ولفهم هذا النمط التديني الخير، يجب أن نستخدم التاريخ كآلية لدراسة السبل التي يبحث فيها، اذن الطريقة الوحيدة لفهم ظاهرة التدين الطبقي للبرجوازية، هوالاطلاع على نشأتها وكيف تطورت والطريقة التي صارت بها وكيف كانت؟ وكيف كانت تدينها قبل الانتماء  الى البرجوازية الكومرادورية؟ فإذا حصلت لدينا فكرة واضحة عن الوظيفة الاجتماعية لهذا النمط من التدين نحرز على فهم جذري للتدين الطبقي ودوره العضوي والاجتماعي، ولن يتأتى هذا  إلا إذا  رصدناها من كل جانب وتتبعنا نموها، إن ما  يستفاد من خلال ما سبق أن الطبقة المسيطرة على وسائل الإنتاج والحاكمة هي التي تحدد نمط التدين أي أن التدين  يحدد أفقيا بواسطة المعيار التارخي، وليس عموديا في المجتمعات الدينية هذا ما يجعل الصراع بين القوتين حول التدين الواجب التطبيق ، نلاحظ تاريخيا ان علم الكلام واللاهوت ظهرا وبارزا في الوقت الذي عرف فيه المجتمع الإسلامي والمسيحي واليهودي صراع التدين الطبقي ،وذلك ببروز ووجود الفقه وأصول الفقه يخدم الطبقة المسيطرة (بكسر الطاء) التي تعتمد على العقل للابقاء على الوضع مستقرا والاحتفاظ عليه حتى لا يعرف أي تطور ضدها،  مستعملة في ذلك  العقيدة الدوغمائية، وذلك ليتم فرض نمط تدينهم على الطبقة  المسيطرة ( بفتح الطاء).

وحاصل الكلام ان التدين الطبقي يعبر عن الأيديولوجية الطبقة المهيمنة  تتطور عبر التاريخ بواسطة التأويل للنصوص المقدسة، وبناء عليه فإن التدين هو تطور ذاتي يعبر عن الصراع الطبقي الديني، يواكب  التطور التأويلي المسيطر على الفكر الديني في الأزمنة والأمكنة مختلفة، وبالتالي نجد باستمرار يتم الدعوة إلى تجديد التدين لكي يتماشى مع التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للمجتمع للحفاظ على مصالح فئوية، ومن ثمة يمكن أن نصل إلى نتيجة، ألا وهي الصراع الطبقي الديني، نسوق على سبيل المثال في التاريخ الحديث، ظهور القاعدة وداعش وغيرها من المنظمات الإرهابية في صراع مع السلطات العامة من أجل انتزاع السلطة منها، وكذلك في العالم المسيحي ظهور كثير من المنظمات الدينية  المتطرفة والمتعصبة تضغط في الانتخابات الرئاسية لتحديد الرئيس المنتخب ومن خلاله التحكم في سياسة الدولة ، كما ان التدين المسيحي عند العرب والأفارقة الفقراء، معالمه الإيمان والتقوى، على خلاف التدين عند الأوروبيين والأمريكيين الذي مظاهره الترفيه والترغيب والطرف الموسيقى وأجواءها خالية من الروحانيات اللاهوتية،  والتدين داخل اسرائيل ليس كمثله خارج اسرائيل، نجده جليا عند جماعة الحريديم التي دائما في صراعات دينية مع جماعات اليهودية الاخرى اقل تشددا تتكون  من الأغنياء، فهي تحاول فرض تدينها وهو ما يشكل الصراع الطبقي الديني، وما يجسد هذا الصراع أنموذجين: انموذج  الصلاة وأنموذج العرفان والتصوف.

شاهد أيضاً
إغلاق