ارتفاع التصاريح بالاشتباه في المغرب يكشف تصاعد تهديدات غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

في خطوة جديدة تكشف عن حجم التحديات الأمنية والمالية التي يواجهها المغرب، أفادت الهيئة الوطنية للمعلومات المالية في تقريرها السنوي لعام 2023 عن زيادة ضخمة في عدد الملفات المرتبطة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب. هذا التقرير، الذي يسلط الضوء على حجم الجهود المبذولة لمكافحة هذه الجرائم، يشير إلى تنامي الخطورة بشكل لافت، حيث شهدت البلاد قفزة بنسبة 31.48% في الملفات المحالة على النيابة العامة خلال العامين الماضيين.

بحسب التقرير، أحالت الهيئة 71 ملفًا على وكلاء الملك في محاكم الابتدائية بمختلف المدن المغربية مثل الرباط، الدار البيضاء، فاس، ومراكش، بالإضافة إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط. الملفت للنظر أن 38% من هذه القضايا تتعلق بأفعال تزوير الكشوفات البنكية ووسائل الدفع، إضافة إلى تزايد حالات النصب والاحتيال.

لكن الأمر لا يتوقف عند هذه الحدود، فهناك ظواهر جديدة بدأت تبرز على الساحة، مثل استخدام الرهان الرياضي، البيع الهرمي، والعملات المشفرة في عمليات غسل الأموال. هذه الظواهر تتطلب تدخلًا سريعًا من الجهات المختصة لمواكبة التحولات المستمرة في أساليب الإجرام المالي.

الهيئة الوطنية للمعلومات المالية تلقت العام الماضي ما مجموعه 5777 تصريحًا بالاشتباه، وهو ما يمثل زيادة ملحوظة بنسبة 10.93% مقارنة بالسنتين الماضيتين. هذه الزيادة الكبيرة تعكس الجهود المستمرة لبناء “تغذية عكسية” بين الهيئة وسلطات الإشراف والمراقبة. ولعل ما يزيد من أهمية هذه التصاريح هو تنوع الجهات التي تقدمها، حيث شكل القطاع البنكي النصيب الأكبر بـ44.82% من مجموع التصاريح، تلاه قطاع مؤسسات الدفع بنسبة 19.56%. كما سجل القطاع غير المالي زيادة ملحوظة في التزامه بتقديم التصاريح، ما يعكس نجاح الحملات التوعوية والتكوينية الموجهة له.

من بين التطورات اللافتة، تظهر التصاريح التلقائية باعتبارها أداة رئيسية في مكافحة غسل الأموال. تلقت الهيئة 48 تصريحًا تلقائيًا من الشركاء الوطنيين، مع تصدر رئاسة النيابة العامة لهذه التصاريح. هذه التصاريح تعكس تزايد التفاعل بين مختلف المؤسسات الوطنية في جهود مكافحة هذه الجرائم.

الهيئة الوطنية للمعلومات المالية لم تقتصر فقط على تلقي التصاريح، بل سعت إلى تعزيز تحليل الملفات من خلال طلبات المساعدة من الجهات المعنية. تم إرسال 51 طلبًا إلى شركاء الهيئة من أجل إثراء وتحليل الملفات المشتبه فيها. كما تلقت الهيئة 972 طلبًا من سلطات إنفاذ القانون للتحقيق في قضايا غسل الأموال والتمويل الإرهابي، ما يعكس التفاعل المستمر بين الهيئة وشرطة التحقيقات المالية.

من المثير أن التقرير يبرز الدور المتنامي للقطاع غير المالي في التصدي لهذه الجرائم. فزيادة التصاريح من المهنيين غير الماليين بنسبة 44% تعكس تحسنًا كبيرًا في التزام هذا القطاع بالقوانين الجديدة. هذه الزيادة تمثل خطوة مهمة نحو تحقيق تكامل أكبر في الجهود الوطنية لمكافحة غسل الأموال.

يظهر التقرير السنوي للهيئة الوطنية للمعلومات المالية أن المغرب في مواجهة تحديات غير مسبوقة في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. إلا أن الجهود المبذولة من مختلف الجهات، سواء الحكومية أو القطاع الخاص، تقدم الأمل في أن البلاد قادرة على مواجهة هذه التهديدات بفعالية. ومع تزايد الوعي والإجراءات الوقائية، يظل التحدي الأكبر هو مواكبة التحولات السريعة في أساليب الجرائم المالية، بما في ذلك استخدام التقنيات الحديثة مثل العملات المشفرة.