البرلمان المغربي ومطاردة زينب العدوي: معركة حول الرقابة على المال العام.

شهد البرلمان المغربي يوم الأربعاء 15 يناير الجاري جلسة مشتركة لمجلسيه، خُصصت لتقديم زينب العدوي، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، تقريرها السنوي حول تدبير المال العام في المملكة. الجلسة، التي انعقدت وسط غياب لافت لثلثي أعضاء البرلمان، كشفت عن تصاعد التوترات بين المسؤولين الرقابيين وبعض المنتخبين، في مشهد يعكس صراعاً مستمراً حول أدوار الرقابة والمساءلة في المغرب.

أحد أبرز الأحداث التي شهدتها الجلسة تمثل في محاولة نائب برلماني، متابع في قضايا تتعلق بجرائم الأموال، الاقتراب من زينب العدوي لتسليمها رسالة يدّعي فيها أن بعض قضاة المجلس الأعلى للحسابات “يظلمون المنتخبين”. إلا أن العدوي، المعروفة بحزمها في أداء مهامها، تجاهلت المحاولة وغادرت القاعة مباشرة إلى مكتب رئيس مجلس النواب.

هذه الواقعة ليست سوى جزء من تحديات أكبر تواجه المؤسسات الرقابية في المغرب، وعلى رأسها المجلس الأعلى للحسابات، الذي يلعب دوراً محورياً في تعزيز الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة. تقرير العدوي الأخير لم يقتصر فقط على كشف اختلالات مالية، بل دعا إلى إصلاح المنظومة الإدارية والمالية، مما يجعل حماية المال العام ضرورة ملحة.

رغم أهمية التقرير، أثار غياب نسبة كبيرة من البرلمانيين عن الجلسة تساؤلات حقيقية حول مدى اهتمامهم بدور المؤسسات الرقابية في ضبط الأداء المالي والإداري. هذا الغياب، الذي وصفه البعض بـ”التقصير”، يعكس انقسامات واضحة داخل المشهد السياسي حول أولويات الرقابة، ويضع علامة استفهام على مدى التزام النخب السياسية بتعزيز الشفافية ومحاربة الفساد.

زينب العدوي، التي تقود المجلس في فترة دقيقة، تواجه ضغوطاً متزايدة من جهات متضررة تسعى إلى التأثير على عمل المجلس وعرقلة مساره الإصلاحي. ورغم ذلك، يُظهر تصميمها على تطبيق القانون التزاماً راسخاً بتعزيز الثقة في مؤسسات الرقابة بالمغرب، وجعلها حصناً لحماية المال العام من أي سوء تدبير.

ختاماً، ما جرى داخل البرلمان يعكس بوضوح التحديات التي تواجه المسار الإصلاحي في المغرب. وبينما تتزايد المطالب الشعبية بتحصين المؤسسات الرقابية من أي تدخلات وضمان محاسبة المتورطين في اختلالات مالية، يبقى السؤال المطروح: هل يمكن أن يتحقق التوازن بين الاستقلالية والفعالية في العمل الرقابي؟

المؤسسات الرقابية بالمغرب، وعلى رأسها المجلس الأعلى للحسابات، ليست فقط هيئات دستورية شرعية، بل أدوات حاسمة لتكريس الشفافية والمساءلة. لكن تحقيق هذا الهدف يتطلب إصلاحاً شاملاً يبدأ بتقديم نخب سياسية مؤهلة، نزيهة، وقادرة على تدبير الشأن العام بمسؤولية وشفافية. أي محاولة لثني المؤسسات الدستورية عن أداء دورها ستبوء بالفشل، لأن المغرب اختار المضي في مسار إصلاحي لا رجعة فيه، يرتكز على ربط المسؤولية بالمحاسبة وتعزيز الثقة في مؤسساته.