الروائي الفلسطيني يحيى يخلف في حوار حول الرواية العربية من منظور سياسي أيديولوجي

الوطن24/ أجرت الحوار: لطيفة محمد حسيب القاضي 

ليس كل سياسي يمكن أن يكون أديباً أو روائياً

رواية (الريحانة والديك المغربي) هي واحدة من رواياتي التي تؤرخ للقضية الفلسطينية

♡”لقد غمست ريشتي بمداد قضية شعبي وصموده وكفاحه الدائم ونضاله المستدام”.

الروائي والأديب الفلسطيني يحيى يخلف ولد عام 1944 في سمخ-طبريا بفلسطين يعتبر يخلف روائياً احترافياً لأنه يصقل أسلوبه ويروضه فيجتهد في بناء أسلوبه الروائي، ويرتكز على جماليات كثيرة يحمل أفكاراً وأسئلةً الهدف منها هو أن يرد على زمن ظالم. فهو محبرة لا تنضب من أفكار وله رصيد إبداعي وراقي حُفرت أعماله الروائية في المشهد الفلسطيني، رواياته تسرد أحوال شعبه فهو مؤرخاً يصف سياقات اللجوء ويسجل فيها صمود اللاجئ الفلسطيني بكل احواله المتنوعة في سرد الواقع الفلسطيني بناء على ذاكرة فلسطينية مدركاً بأن الفلسطينيون لا يموتون إلا إذا أضاعوا الذاكرة. 

وفي الحوار سوف نتطرق ببعض من الأسئلة إلى آخر رواياته وهي: الريحانة “والديك المغربي” لأنها نتاج واختيار فكري مميز يروي فيها تاريخ فلسطين وتاريخ الجزائر وتونس والمغرب عبر شخصية رحالة مغربي وحيث أن الرواية تعكس العلاقات التاريخية بين المشرق والمغرب وفلسطين الموجودة في وجدان المغاربة.  

الكاتب والروائي يحيى يخلف حصل على ليسانس آداب جامعة بيروت العربية ومن ثم عمل في التدريس والصحافة، وانتقل إلى دمشق وبيروت فعمل في المجال الثقافي والإعلامي في منظمة التحرير الفلسطينية 1980.انتخب أميناً عاماً للاتحاد العام للكتاب الفلسطينين ونائباً للأمين العام للاتحاد العام للأدباء العرب. في عام 1987 عمل مديراً عاماً لدائرة الثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية.  

شغل منصب وزير الثقافة في السلطة الفلسطينية من عام 2003-2006.ترأس وفود فلسطين إلى المؤتمرات الثقافية العربية الدولية، له العديد من المؤلفات في الرواية والقصة. 

حصل على جائزة دولة فلسطين للآداب عام 2000، وحصل على وسام الميدالية الذهبية من المنظمة العربية (أليسكو)2012.  حصل على جائزة كتارا للرواية العربية لعام 2016. وأخيرا حصل من رئيس دولة فلسطين محمود عباس على وسام الثقافة والتعلق بمرسوم رئاسي.

الوطن24: هل كتبت مذكراتك وسيرتك الذاتية في كتاب؟

°الروائي يحيى يخلف: حول كتابة السيرة الذاتية: لاشك أنّ كتابة السيرة تكتسب أهمية كبيرة للأديب والسياسي، ولكل من سطّر صفحات مشرقة في مسيرته في الحياة. 

الخبرات البشرية ملك للبشرية جمعاء، وفي السير الذاتية دروس وتجارب، وخبرات يمكن أن تراكم معرفة للبشرية على مدى التاريخ 

وبالنسبة لي، فإنني وضعت الإطار العام للمراحل التي ستكون مادة لسيرتي الذاتية، وثمّة ما يجب التطرق إليه، سواء في مرحلة طفولتي، وشبابي المبكّر، ثمّ التحاقي كمناضل في صفوف الثورة الفلسطينية، كفدائي، ثمّ كمثقف يكتب ما تطرحه أمامه التجارب  

من مواقع الإلتزام، وما رافق الكاتب المبدع من خلال الممارسة ما بين الأديب والسياسي، وما بين القلم والبندقية، وما بين الخاص والعام، وبين الفردي والجماعي، وما بين العادي الذي يصبح غير عادي. 

لقد سرت في درب من دروب الحرية، واغتنت تجربتي من خلال الممارسة، وأشهد أنني قد عشت تجارب أغنت مسيرتي، وعلى الرغم من انشغالاتي بمهام سياسية، فإنني لم أتخلى عن القراءة والكتابة، كانت القراءة زادي، والكتابة فرحي وسعادتي. 

 بدأت بكتابة القصة القصيرة، ثمّ انتقلت الى كتابة الرواية، ولا شكّ أن تجاربي في إطار عملي في منظمة التحرير كانت قوّة دافعة لحركة الثقافة، وكانت قوة دافعة للإبداع، فالثورة لم تكن بندقية فقط، وانما   خيال شاعر، وقلم أديب، وريشة فنّان، وغرزة تطريز. لقد عملت بالسياسة بروح المثقف والفنّان. 

 وعليه فإنّ كتابة مذكراتي، وسيرتي الذاتية ستكون أبرز اهتماماتي في المرحلة القادمة. 

الوطن24: أنت روائي متجدداً تمتلك دلالات الرواية بدون تكلف وأسلوبك

اللغوي يجمع بين الجمال والبساطة والعفوية، هل يمكن أن تعيش الرواية بعيداً عن السياسة والأيديولوجيا؟ 

° الروائي يحيى يخلف: الرواية ليست مهنة السياسي ، الروائي يمكن أن يعمل في السياسة، لكن ليس كل سياسي يمكن أن يكون أديبا أو روائيا. ، كتابة الرواية موهبة ، موهبة إبداعية، والسؤال عمّا يمكن أن تعيش الرواية بعيدا عن السياسة والأيديولوجيا أقول بالطبع يمكن، لكنها يمكن أن تبقى كإبداع غذاء العقول للمواطن وللسياسي كونه مواطنا.  

الوطن24: تكوينك الثقافي والفكري والإبداعي كيف ينعكس على رواياتك؟ 

° الروائي يحيى يخلف: تكويني الثقافي والفكري والإبداعي انعكس على تفوق أعمالي القصصية والروائية ، وقد حصلت على جوائز وأوسمة ، وحفلات تكريم ،وكل ذلك ناجم عن موهبة وإبداع وثقافة ، وعن تجارب عشتها. 

لقد غمست ريشتي بمداد قضية شعبي وصموده وكفاحه الدائم ونضاله المستدام. وفي مسيرتي عملت في مهام ثقافية، منها موقع الأمين العام للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، ومنها مدير عام دائرة الثقافة في منظمة التحرير، ومنها وزير الثقافة في السلطة الوطنية الفلسطينية. وكما سبق أن قلت لقد عملت في السياسة بروح المثقف والفنّان.  

الوطن24: في روايتك (الريحانة والديك المغربي) هي رواية فيها تنوع الأمكنة والأزمنة وفيها توثيق وتصوير وتخيل وسرد وتناص تُعبر فيها عن الفلسطيني الذي أرهقته الحياة ،ما هو الجديد الذي يميزها عن بقية أعمالك الروائية؟

° الروائي يحيى يخلف: رواية “الريحانة والديك المغربي” هي روايتي الأخيرة ، وسبق أن صدرت لي قبلها اثنا عشر رواية. 

الرواية واحدة من رواياتي التي تؤرخ للقضية الفلسطينية، ولعلّ أهم الروايات التي أرّخت للقضية كانت: رباعية البحيرة.. وهي أربع روايات تمثّل رواية واحدة في أربعة أجزاء، هي: بحيرة وراء الريح، وماء السماء، وجنّة ونار، نهر يستحم في البحيرة.. 

الرواية تؤرّخ بسرد واع لعلاقة القضية الفلسطينية بمحيطها القومي، سرد تتوفر فيه عناصر فنيّة، وتتوفر فيه لغة بليغة. وتتوفر فيه جماليات وحكايات تعزي واقعية سحرية.

الوطن24: رواية (الريحانة والديك المغربي) تفتح الباب أمام أسئلة وسجالات حول الرواية بشكل عام وعلاقتها بالتاريخ على وجه التحديد فأنت في الرواية تؤرخ التاريخ الفلسطيني كأحد عناصر البناء الروائي وفي نفس الوقت تجعل الرواية وعاء للتاريخ والمعرفة فالتناهي أداة فنية تجسد المسافات هل تتحمل الرواية كجنس أدبي كل هذا في عمل واحد؟

° الروائي يحيى يخلف: رواية الريحانة والديك المغربي تندرج في سياق التأريخ الأدبي الذي تتوفر له وبه عناصر فنيّة عالية. 

الرواية تجمع ما بين مشرق الوطن العربي ومغربه، ما بين المغرب العربي وفلسطين، خصوصا القدس. 

من خلال قصة شجرة الصنوبر التي تضرب جذورها عميقا ما بين مشرق ومغرب، تاريخها تاريخ عائلة مغربية عميدها سي المبارك، مشى على طريق ابن بطوطة، وعاش ولم يسأم العيش. 

طالما تحدثت الريحانة عن سي المبارك الذي سحرته بلاد الشام وفلسطين والقدس واندمج في صخب الحياة وهدوئها وجماليات أمكنتها وناسها وحكاياتها. ستكون شجرة الصنوبر مصاحبة لعشق عادل الفلسطيني للريحانة التونسية، وسيكون مغرب العرب ومشرقها متصلين في الحكاية  بتدفق وبلا انقطاع.. هكذا صار المبارك زارع الشجرة رجل وفكرة، وربما هو رمز المصير الواحد لأمّة. 

فالرواية لها القدرة على التكيف والتطوع والتطور، وقادرة على معالجة أي موضوع، وأثبتت قدرتها على البقاء في العالم رغم التنافس القوي من السينما والمسلسلات التي تمثل صورة للفن الروائي.

الوطن24: “من جانب خلود الشخصية الروائية” ما الذي يساعد على تحقيق الخلود للشخصية الروائية العربية في وقتنا الحالي؟ 

  °الروائي يحيى يخلف: الأدب العالمي فيه شخصيات خالدة، مثل أنا كارنينا لتولستوي، و الأخوة كارامازوف دوستويفسكي، وأحدب نوتردام لفيكتور هوجو، مدام بوفاري غوستاف فلوبير وشخصية جين اير شارلوت برونتي على سبيل المثال. وفي الروايات العربية شخصيات نجيب محفوظ ومنها شخصية سي السيد في الثلاثية.  

لكن الرواية العربية بشكل عام تكاد تخلو من عناوين واسماء ابطال خلدهم تاريخ الأدب 

الوطن24: لقد حضرت فلسطين في رواياتك جميعاً حتى أسمّوك (مؤرخ فلسطين الروائي) حيث إنك تجسد الأماكن والحياة في فلسطين فوضعت في التاريخ المرفوض تاريخاً آخر يسرد أحوال الفلسطينيين الذين لم يختاروا أحوالهم ،هل لعب المثقف الفلسطيني دوراً في الحفاظ على الموروث الثقافي والاجتماعي الفلسطيني؟ 

° الروائي يحيى يخلف: لقد واجه الفلسطينيون مأساة ما زالت آثارها ماثلة. ومنذ قرن من الزمن ونحن نناضل ونكافح من أجل إحقاق حقوقنا في العودة، وتقرير المصير، وتجسيد قيام دولتنا الفلسطينية وعاصمتها القدس. 

ما زلنا نواجه مكر التاريخ، مازلنا نعمل من أجل تصحيح مسار تاريخ، لذلك فإنّ الأدب، وخصوصا السرد يتعيّن أن يستقرئ التاريخ، وأن يساهم في تعديل مساره نحو الأفضل، وأن يساهم في تصحيح مساره. 

صحيح أنّ معظم رواياتي لها مرجعية تاريخية، لكنها مسكونه بالأمل، وتتطلع ليكون القادم أجمل، وأن تعيش الأجيال في وطن حر ومستقل. 

الوطن24:  الرواية العربية المعاصرة و الروائيين العرب والفلسطينيين ما رأيك بهم ؟ 

° الروائي يحيى يخلف: كثيرة هي الروايات التي تصدر ،لكنّ رغم الكم إلا أنه هناك روايات نوعية تحظى بالاهتمام والتقدير، وترجم بعضها الى لغات أجنبية، ولكن هذا غير كاف، فقد كان يتعين أن تصبح الرواية العربية ظاهرة عالمية مثل الرواية اليابانية، والرواية الأميركية اللاتينية بعد فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل. 

الوطن24: ذكر بعض النقاد: “أنّك من الروائيين الذين غمسوا ريشهم بمداد التاريخ” ما تعليقك على ذلك؟ 

° الروائي يحيى يخلف: صحيح وأعتقد أن ذلك واجبنا، وأن ذلك يضع الأدب في الموضع العالي الذي يستحقه ومن النقاد الذين أحترمهم، ولهم مكانة خاصة من اعجابي، هو الناقد الكبير د. فيصل درّاج الذي كتب: “أن رواياتي كانت تاريخ وجدانيا للقضية الفلسطينية” 

الوطن24: لقد حصلت مؤخراً على وسام الثقافة والتعلق بمرسوم رئاسي.. ماذا عن هذا الوسام وماذا كان شعورك عند استلامك لهذا الوسام من سيادة الرئيس محمود عباس؟

° الروائي يحيى يخلف: طبعا اسعدني حصولي على وسام الثقافة والفنون درجة التألق بمرسوم رئاسي وتسلمه من السيد الرئيس… وجاء في حيثيات الوسام: “تقديرا لنضاله المشرف في خدمة قضية شعبه ووطنه وتثمينا لعطائه والتزامه الفكري والوطني وإبداعاته الأدبية والثقافية المرموقة”. 

بالطبع أني كمثقف وأديب تلقيت الوسام بكل التقدير والاحترام.

جزيل الشكر للكاتب الروائي المتميز الأستاذ يحيى يخلف على هذا اللقاء الممتع والجميل