الشهادات الطبية والخبرة القضائية.. حين تتسلل أيادي الفساد إلى منظومة العدالة المغربية.

الوطن24/ عبد الجبار الحرشي
رغم الجهود الحثيثة التي تبذلها المملكة المغربية لترسيخ العدالة وتعزيز ثقة المواطنين في القضاء، فإن بعض الاختلالات التي يتسبب فيها قلة من الفاسدين لا تزال تشوه صورة المنظومة. ولعل واحدة من أبرز هذه الاختلالات تلك المتعلقة بالتلاعب بالشهادات الطبية والخبرات القضائية، حيث يتم توظيفها أحياناً كأدوات للابتزاز والتلاعب بمسار القضايا.
شهادة عجز 30 يوماً.. نموذج يثير الجدل
أعاد منح شهادة طبية لمدة 30 يوماً لقائد بتمارة بعد تعرضه لصفعة من سيدة، الجدل حول مصداقية بعض الشهادات الطبية ومدى تأثيرها على مسار القضايا. فإذا كانت الإصابة تستدعي فعلاً هذه المدة، فمن حق الضحية الحصول على الحماية القانونية، لكن إذا كانت مبالغاً فيها، فإن ذلك يطرح تساؤلات حول مدى التزام بعض الأطباء بالموضوعية، وما إذا كانت هناك ضغوط أو اعتبارات أخرى تؤثر على قراراتهم.
لقد شهد المغرب العديد من القضايا التي لعبت فيها الشهادات الطبية دوراً حاسماً في ترجيح كفة أحد الأطراف، سواء عن حق أو عن طريق التحايل. وهذا يستدعي إعادة النظر في آليات منح هذه الشهادات، والتأكد من أنها تستند إلى أسس علمية صارمة، لا إلى مجاملات أو تأثيرات خارجية.
الخبرة القضائية.. أمانة ثقيلة ومسؤولية كبرى
أما الخبرة القضائية، فهي أداة رئيسية يعتمد عليها القضاة في إصدار أحكامهم، ما يجعلها سلاحاً ذا حدين. فإذا التزم الخبير بالنزاهة، كان قراره دعامة أساسية لتحقيق العدالة، أما إذا خضع للإغراءات أو التأثيرات، فإنه قد يحرف مسار القضايا ويضر بحقوق الأفراد والدولة على حد سواء.
محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، كشف عن حالات لخبراء قضائيين قدموا تقارير مغلوطة أدت إلى تعويضات خيالية أو قرارات جائرة، وهو ما يستدعي ضرورة تشديد الرقابة على هذه الفئة، وضمان استقلاليتها وتحييدها عن أي تأثيرات خارجية.
العدالة المغربية.. صامدة في وجه الفساد
لا شك أن القضاء المغربي قطع أشواطاً كبيرة في سبيل تعزيز النزاهة والشفافية، وهو اليوم أكثر صرامة في مواجهة أي تلاعب من هذا النوع. لكن مكافحة الفساد داخل المنظومة القضائية ليست مسؤولية القضاة وحدهم، بل تتطلب تعاوناً بين مختلف المؤسسات والهيئات المهنية لضمان أن تظل العدالة حصناً منيعاً ضد أيادي الفاسدين.
إن المغرب، بقيادته الحكيمة، يضع الإصلاح القضائي في صلب أولوياته، والمطلوب اليوم هو أن تتضافر جهود الجميع لضرب بيد من حديد على كل من يحاول استغلال الشهادات الطبية أو الخبرة القضائية لتحقيق مكاسب شخصية على حساب العدالة. لأن نزاهة القضاء ليست مجرد شعار، بل مسؤولية يجب أن يتحملها الجميع.