المغرب : إقليم بولمان المنسي صمود البساطة وسقوط الفخامة

في إقليم بولمان، حيث تتجلى الفجوة الصارخة بين ما يبنيه المواطنون البسطاء وما تشيده الدولة بمشاريع ضخمة، تظهر لنا صورة واضحة عن واقع التنمية المنسي في هذه المنطقة. ….والتساقطات المطرية الغزيرة التي شهدها الاقليم قبل يومين عرت عن هشاشة البنية التحتية.

لنأخذ مثال القنطرة رقم 2، التي بناها سكان المرس بوسائل بسيطة دون دراسة تقنية أو إشراف هندسي. هذه القنطرة صمدت لأكثر من 20 عامًا، متحدية الزمن والظروف القاسية، وواصلت خدمة الأهالي بكل كفاءة.

في المقابل، لدينا القنطرة رقم 1، التي بُنيت بإشراف أطر الدولة، وتحت أعين المهندسين والمسؤولين المنتخبين، ومن خلال صفقة ضخمة مع مقاول معروف. رغم كل هذه الاحتياطات والإجراءات، لم تصمد القنطرة سوى أقل من 6 سنوات قبل أن تنهار، مما يعكس الفجوة الكبيرة بين التوقعات والواقع.

أما القنطرة رقم 3 في الدويرة السفلى، التابعة لجماعة سيدي بوطيب، فقد شهدت مأساة أكبر. بُنيت هذه القنطرة بتكلفة عالية وصفقة كبيرة، إلا أنها لم تصمد سوى أقل من سنة واحدة قبل أن تنهار، دون تطال المحاسبة المقاول الشهير الذي أشرف على تشييدها. هذا الانهيار السريع يطرح تساؤلات عديدة حول المعايير المستخدمة في البناء والمراقبة، ويفتح الباب أمام الشكوك حول مصير أموال المشاريع التي لا تحقق أهدافها.

هذه الحوادث ليست مجرد أخطاء فردية، بل هي انعكاس لنظام معيب يعاني من غياب الرقابة الحقيقية والمحاسبة الجادة. إقليم بولمان، كما هو حال العديد من المناطق المنسية في المغرب، يحتاج إلى تدخل عاجل لإعادة الثقة بين المواطنين والدولة، وإلى تبني سياسة تضع المصلحة العامة فوق المصالح الفردية.

فإقليم بولمان، الواقع في قلب المغرب الشرقي، يعتبر من بين المناطق الأكثر تهميشًا وإهمالًا على مستوى البلاد. يمتاز الإقليم بطبيعته الجبلية وموقعه الجغرافي بين الأطلس المتوسط والأطلس الكبير، وهو ما يجعله منطقة غنية بالموارد الطبيعية، لكن رغم ذلك يعاني سكانه من الفقر، البطالة، والعزلة الاقتصادية والاجتماعية.

الأوضاع الاقتصادية:.

إقليم بولمان يعتمد بشكل رئيسي على الزراعة التقليدية وتربية الماشية. ومع أن المنطقة تتوفر على أراض خصبة وموارد مائية نسبية، إلا أن الأنشطة الزراعية تعاني من محدودية البنية التحتية مثل السدود والمشاريع الريّية الحديثة. تفتقر المنطقة أيضًا إلى الصناعات التحويلية التي يمكن أن تضيف قيمة للمنتجات المحلية، مما يضعف فرص الشغل ويجبر الشباب على الهجرة نحو المدن الكبرى.

البنية التحتية والخدمات الاجتماعية:

رغم وجود مشاريع تنموية محدودة في بولمان، إلا أن المنطقة ما تزال تعاني من نقص كبير في البنية التحتية، خصوصًا في ما يتعلق بالطرق والمواصلات. العديد من القرى والمناطق الجبلية تظل معزولة، خصوصًا خلال فصل الشتاء حيث تسوء الأحوال الجوية وتصبح الطرق غير سالكة.

فيما يتعلق بالخدمات الاجتماعية، يتفاقم الوضع بسبب نقص في المرافق الصحية والتعليمية. يضطر العديد من سكان المنطقة إلى السفر لمسافات طويلة من أجل الحصول على الرعاية الطبية أو التعليم العالي. المستشفيات والمراكز الصحية في بولمان غالبًا ما تعاني من نقص الأطر الطبية والتجهيزات، ما يجعل تقديم الخدمات الصحية تحديًا كبيرًا.

التهميش السياسي:

إلى جانب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية، يعاني إقليم بولمان من تهميش سياسي واضح. سكان المنطقة يشكون من قلة الاهتمام الحكومي بمشاكلهم وغياب السياسات التنموية التي تستجيب لاحتياجاتهم. الوعود الانتخابية في الغالب تبقى حبرًا على ورق، مما يعمق من شعور الأهالي باليأس والإحباط.

المؤهلات السياحية:

على الرغم من التهميش، فإن إقليم بولمان يمتلك إمكانيات سياحية هائلة. يتوفر الإقليم على مناظر طبيعية خلابة وغابات كثيفة، بالإضافة إلى مواقع تاريخية وثقافية يمكن أن تجذب السياح. السياحة البيئية يمكن أن تكون أحد المداخل الاقتصادية الواعدة للمنطقة إذا تم استغلالها بشكل صحيح. ومع ذلك، يعاني القطاع من نقص الاستثمارات في البنية التحتية السياحية مثل الفنادق والمرافق الترفيهية.

الحلول المقترحة:

لتجاوز هذا الوضع المتأزم، يقول الاعلامي الشهير كادم بوطيب أحد أبناء الإقليم ويخسرو كبيرة : “كفى…. كفى… بولمان يحتاج اليوم إلى أبناءه الشباب ….بولمان يحتاج إلى نهضة تنموية شاملة، تبدأ بتركيز الاهتمام على تحسين البنية التحتية، خاصة الطرق والمواصلات. كذلك، يجب تعزيز الاستثمارات في الزراعة والصناعات التحويلية المحلية لخلق فرص عمل جديدة. التعليم والصحة يجب أن يكونا على رأس أولويات الدولة لتحسين ظروف عيش السكان ووقف نزيف الهجرة نحو المدن.

بالإضافة إلى ذلك، يأكد كادم بوطيب يمكن أن تلعب السياحة دورًا محوريًا في دفع عجلة التنمية في الإقليم إذا تم تطوير برامج سياحية ملائمة. من خلال الاستثمار في البنية التحتية السياحية والترويج للمؤهلات الطبيعية والثقافية، يمكن لبولمان أن يتحول من منطقة مهمشة إلى وجهة سياحية واعدة.

في النهاية، إقليم بولمان بحاجة إلى سياسات حكومية جادة ومتواصلة، وليس فقط حلولًا مؤقتة أو مشاريع موسمية.