المغرب: بنكيران يعود إلى صدارة المشهد السياسي وسط رهانات تجديد حزب العدالة والتنمية وإحياء الثقة الديمقراطية.

في خطوة أعادت خلط أوراق المشهد السياسي المغربي، جدد حزب العدالة والتنمية ثقته في عبد الإله بنكيران، بانتخابه أميناً عاماً لولاية جديدة تمتد من 2025 إلى 2029، خلال مؤتمر وطني استثنائي جسّد صمود الحزب رغم الضربات الانتخابية التي تلقاها في السنوات الأخيرة.

وقد بلغ عدد المصوتين في هذا المؤتمر 1402 عضواً، حيث تم تسجيل 1390 صوتاً صحيحاً مقابل 12 صوتاً ملغى. وأسفرت النتائج النهائية عن فوز بنكيران بحصة ساحقة بلغت 974 صوتاً (69٪)، مقابل 374 صوتاً للدكتور إدريس الأزمي الإدريسي، و42 صوتاً للدكتور عبد الله بوانو.

هذه النتائج فتحت الباب أمام تساؤلات جوهرية حول مستقبل الحزب في المغرب: هل يمثل انتخاب بنكيران إشارة إلى رغبة القواعد في التشبث بالرموز التقليدية التي ارتبطت بفترة صعود الحزب، أم أنه تعبير عن الخوف من خوض مغامرة التغيير في سياق وطني وإقليمي شديد التقلب؟

بنكيران، الذي قاد الحكومة المغربية بين 2011 و2017، يعود اليوم إلى الواجهة محمّلاً بتوقعات عالية وآمال معلقة، لكنه أيضاً محاط بتحديات جسيمة، أهمها إعادة بناء جسور الثقة مع الشارع المغربي، وتجديد خطاب الحزب بما ينسجم مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها المشهد الداخلي.

هذا النجاح المبهر لمؤتمر حزب العدالة والتنمية يضعه اليوم أمام امتحان حقيقي يتمثل في ضرورة تنزيل الأوراق التي صادق عليها المؤتمر، من الورقة المذهبية والأطروحة السياسية للحزب، إلى القضايا المتعلقة بالمرجعية والثوابت والتدافع الديمقراطي، ومحاربة الفساد، والارتقاء بالممارسة السياسية، والقطع مع أخطاء الماضي، مع تكريس الانتماء الوطني، ونصرة قضايا العروبة والإسلام العادلة، وعدم التنكر للشعب المغربي واحترام اختياراته، وصون كرامته، وتمكينه من العيش الكريم.

كل حزب يبرهن على ديمقراطيته الداخلية من خلال احترام قوانينه والتزام مناضليه، يستحق الإشادة والتنويه، لأنه يقدم الدليل على سلامة الممارسة الديمقراطية وصحة المشهد الحزبي الوطني، كما يسهم في تنمية الحس الوطني بالثقة في الأحزاب الجادة. بالمقابل، فإن كل ممارسة حزبية غير ديمقراطية ينبغي أن تكون موضع شجب واستنكار ومقاطعة من المواطنين، حتى تستقيم تلك الممارسات على منهج ديمقراطي غير قابل للتجزئة أو التلاعب.

ولا يخفى أن الساحة السياسية المغربية لا تزال مليئة بالممارسات غير الديمقراطية، واصطناع القيادات، وتشويه التنافس الحزبي على مراكز القرار، وهو ما يضع بعض الأحزاب خارج الإطار الحقيقي لتمثيل إرادة المواطنين.
أحزاب كهذه لا تستحق أن تكون ضمن خريطة الأحزاب الوطنية، فضلاً عن تمكينها بطريقة غير ديمقراطية من تسيير الشأن العام والمحلي، إذ تعتبر هذه الممارسات جريمة في حق الوطن.

لقد أثبت حزب العدالة والتنمية، من خلال مؤتمره الأخير، انسجامه مع الأعراف الديمقراطية، ويحق لمناضليه أن يفتخروا بكونه حزباً وطنياً يكرّس نموذجاً سياسياً قادراً على لعب أدوار طلائعية قد تعيده إلى صدارة المشهد السياسي خلال الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، خاصة بعدما ثبت فشل الأحزاب المشكلة للحكومة الحالية في الاستجابة لأهم الإشكالات الوطنية، وخيبة آمال المواطنين في أدائها، الذي طبع سنوات التدبير الحكومي بالفشل على مختلف المستويات، فضلاً عن غياب الديمقراطية الداخلية لديها وفقدانها لرصيدها الشعبي، الذي يعد صمام الأمان لأي فعل سياسي رشيد وفاعل.

المغرب، الذي يعيش اليوم على إيقاع إصلاحات كبرى وطموحات تنموية متجددة، يحتاج إلى قوى سياسية قوية ومتجددة قادرة على مواكبة التحولات الكبرى، وليس مجرد ديكور سياسي يُستهلك موسمياً. وفي هذا السياق، تبقى عودة بنكيران إلى قيادة حزب العدالة والتنمية حدثاً بارزاً يعيد رسم ملامح جديدة للتوازنات داخل الحياة الحزبية المغربية، في مرحلة دقيقة ومليئة بالتحديات الوطنية والدولية.