المغرب : لماذا يحظى خريجو ماسترات الرباط بالأفضلية في ولوج الوظيفة العمومية؟ هل هي صدفة أم سياسة ممنهجة ؟

الوطن 24 / بقلم عبد المجيد النوري *
إن المتتبع لمباريات الوظيفة العمومية في المغرب سيلاحظ أن خريجي تكوينات الماستر المعتمدة في كليات العلوم القانونية بجامعة محمد الخامس بالرباط يحظون دائمًا بفرص أكبر في التوظيف مقارنة بباقي خريجي تكوينات الماستر المعتمدة في كليات العلوم القانونية الأخرى بالمغرب.
ويعود هذا الامتياز إلى عدة عوامل، أبرزها الدور الذي يلعبه منسقو هذه التكوينات، الذين يسعون إلى توطيد علاقاتهم مع مسؤولي الوزارات والمؤسسات العمومية من خلال تنظيم ندوات وزيارات ميدانية للطلبة، مما يساهم في إشعاع هذه التكوينات ويجعلها مألوفة لدى الوزارات والمؤسسات العمومية. إضافة إلى ذلك، يشارك بعض هؤلاء المنسقين أحيانًا في وضع الاختبارات الكتابية أو يكونون أعضاء في لجان الاختبار الشفوي، مما يمنح خريجي هذه التكوينات أفضلية في ولوج الوظائف العمومية مقارنة مع خريجي ماسترات أخرى ذات تسمية ومضمون بيداغوجي متشابه.
صحيح أننا نؤيد ضرورة إشعاع الماسترات والتعريف بها من قبل منسقيها، لكن هذا لا يعني أن الوزارات والمؤسسات العمومية يجب أن تنحاز أو تفضل ماسترًا على آخر رغم تطابق المضمون البيداغوجي لهما، لدرجة تتعمد فيها إدراج تسمية ماستر معين بالحرف والجملة الواحدة في إعلانات التوظيف العمومي.
الإبداع المبالغ في صياغة أسماء الماسترات وأثره على التوظيف
لعل ما يعيب بعض هذه الماسترات غير المألوفة هو إبداع منسقيها في صياغة تسمياتها بشكل يجعل من الصعب تحديد طبيعة تخصصها من قبل الوزارات والمؤسسات العمومية، أو عدم وجود تطابق تسميتها مع مضمونها البيداغوجي. إضافة إلى ذلك، فإن تراخي هؤلاء المنسقين عن تنظيم ندوات وزيارات ميدانية، وعدم مراسلة الوزارات للتعريف بهذه التكوينات وضمان إشعاعها، يساهم في جعلها غير مألوفة، مما يؤدي إلى استبعاد خريجيها وتفضيل خريجي الماسترات المعروفة في مباريات التوظيف العمومي.
غياب إطار مرجعي لتوحيد التكوينات
إن غياب إطار مرجعي يوضح قائمة تكوينات الماستر المتشابهة من حيث التسمية والمضمون البيداغوجي، وعدم إلمام المسؤولين عن التوظيف بالحقول المعرفية للقانون، يجعلهم يفضلون الماسترات المألوفة دون اجتهاد منهم في البحث عن تكوينات الماستر المشابهة من حيث التسمية والمتطابقة من حيث المضمون البيداغوجي.
وعلى الرغم من أن خريجي الماسترات غير المألوفة يلجؤون إلى رفع شهادة إثبات التخصص موقعة من السيد العميد والمنسق البيداغوجي على بوابة التشغيل العمومي لتأكيد معادلة تخصصهم لتكوينات الماستر المطلوبة في الوظائف العمومية، إلا أنه لا يتم انتقاؤهم لاجتياز الاختبار الكتابي.
تفصيل المناصب حسب المقاس
ما يثير استغراب المترشحين دائمًا عند نشر إعلانات التوظيف العمومي هو أنها باتت تتضمن تسميات محددة لتكوينات الماستر المطلوبة، بالحرف والجملة نفسها، دون اعتماد تسميات شمولية يمكن أن تشمل تكوينات أخرى ذات مضمون بيداغوجي مشابه. ومن الأمثلة على ذلك:
- مباراة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بتاريخ 13 يناير 2025 : حيث أعلنت هذه الأخيرة عن مباراة توظيف متصرفين من الدرجة الثانية في تخصص “تدبير المالية العمومية”، وهو ماستر معتمد بكلية العلوم القانونية السويسي، في حين تم استبعاد خريجي “ماستر المالية العامة” و”ماستر المالية العامة والضرائب”*، رغم أن الفرق بين هذه التكوينات يكمن فقط في استخدام كلمة “عمومية” بدلًا من “عامة”.
- مباراة وزارة الداخلية بتاريخ 16يناير 2025: أعلنت وزارة الداخلية عن مباراة توظيف متصرفين من الدرجة الثانية في تخصص “العلوم الإدارية”، وهو ماستر معتمد بكلية العلوم القانونية السويسي، بينما تم استثناء خريجي ماسترات أخرى مثل: “القانون العام الداخلي وتنظيم الجماعات الترابية”، “الحكامة وسياسة الجماعات الترابية”، و”الإدارة وحقوق الإنسان والديمقراطية”، رغم تشابهها الكبير من حيث المضمون البيداغوجي.
- مباراة وزارة الداخلية بتاريخ 16 يناير 2025: حيث أعلنت عن مباراة توظيف متصرفين تخصص “القانون المدني الاقتصادي” المعتمد بكلية العلوم القانونية السويسي، وهو ماستر حديث الاعتماد، مقارنة مع ماستر القانون المدني المعمق وماستر القانون المدني والأعمال، حيث كان من الممكن أن تعتمد الوزارة تسمية أكثر شمولية مثل “القانون المدني” دون أن تنحاز إلى ماستر معين.
هذا النهج يطرح إشكالية تكافؤ الفرص بين المترشحين، حيث يتم تفصيل المناصب على مقاس تكوينات محددة دون مراعاة التكوينات المماثلة، وهو ما يستوجب مراجعة شاملة لسياسة تحديد التخصصات في مباريات التوظيف العمومي.
إقصاء بسبب اختلاف التسمية لا التكوين
من خلال الاطلاع على لوائح المدعوين لاجتياز الاختبار الكتابي لمباريات الوظيفة العمومية، يتضح أن مديرية الموارد البشرية في كل وزارة توجه موظفيها إلى عدم قبول الماسترات التي تتشابه في التسمية والمضمون البيداغوجي، والاكتفاء فقط بالأسماء المحددة بالحرف والجملة الواحدة في الإعلان. وهذا يثير تساؤلات كثيرة حول أسباب اعتماد هذه التسميات دون غيرها. هل هو اجتهاد من بعض منسقي الماسترات الذين يسعون إلى خلق وساطات مع الوزارات لضمان إدراج تكويناتهم في المباريات؟ أم هل للأمر علاقة بالانتماءات الحزبية لبعض المنسقين وتأثيرها في تحديد التخصصات المطلوبة؟ أم أن السبب الرئيسي يكمن في تقصير بعض منسقي الماسترات في التعريف بتكويناتهم وغياب تواصلهم مع المشرفين على التوظيف، مما يؤدي إلى إقصاء طلبتهم من مباريات الوظيفة العمومية؟
الحلول المقترحة
لحل هذه الإشكالية، يجب اتخاذ مجموعة من الإجراءات لضمان تكافؤ الفرص بين خريجي تكوينات الماستر المعتمدة في باقي كليات العلوم القانونية الأخرى بالمغرب، ومن أبرزها:
- إرسال الملفات الوصفية للماسترات إلى الوزارات: يجب على منسقي الماسترات إرسال الملفات الوصفية لتكوينات الماستر إلى الوزارات والمؤسسات العمومية بشكل دوري، لتمكينها من اتخاذ قرارات أكثر إنصافًا عند الإعلان عن المباريات.
- عقد اجتماعات مع رؤساء الشعب: يجب على الوزارات قبل نشر إعلان التوظيف عقد اجتماع مع رؤساء الشعب في القانون بشقيه العام والخاص، للتشاور حول الماسترات التي يجب طلبها في التوظيف، بدلًا من الاقتصار على تسمية واحدة.
- إلزام الوزارات باعتماد مقاربة أكثر شمولية: يجب على الوزارات والمؤسسات العمومية توسيع نطاق القبول في المباريات ليشمل جميع التكوينات ذات المضمون البيداغوجي المشابه، بدلًا من الاقتصار على تسمية محددة بالحرف.
- إصدار قرار وزاري حول معادلة التكوينات: ينبغي لوزارة التعليم العالي إصدار قرار وزاري يتضمن لائحة بأسماء تكوينات الماستر غير المألوفة والمعادلة للتكوينات المألوفة، وذلك لضمان عدم إقصاء أي مترشح بناءً على اختلاف شكلي في اسم تكوين الماستر.
ومن أجل حل هذه المشكلة بصفة جذرية، نقترح اعتماد تسميات موحدة لتكوينات الماستر كما هو الحال بالنسبة لمسالك الإجازة في العلوم القانونية، وذلك لوضع حد لهذه الإقصاءات وضمان حق جميع خريجي الماستر في ولوج الوظائف العمومية.
خلاصة القول، يجب على الوزارات والمؤسسات العمومية أن تتحلى بالحياد، وألا تعتمد في مباريات التوظيف على تسميات محددة مسبقًا تخدم فئة دون أخرى. فالولوج إلى الوظائف العمومية يجب أن يكون على أساس مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة كما هو منصوص عليه في الفصل 35 من الدستور، والفصل الأول من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، وليس على أساس الاسم المعتمد لماستر معين دون غيره.
عبد المجيد النوري مستشار في التوجيه الجامعي