المغرب يتجه نحو ثورة في العدالة الجنائية: تفعيل قانون العقوبات البديلة.

الوطن24/ الرباط
خطوة جريئة وغير مسبوقة اتخذتها الحكومة المغربية اليوم، برئاسة السيد عزيز أخنوش، في اجتماع يهدف إلى تفعيل القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة. هذا القانون، الذي يمثل نقلة نوعية في السياسة العقابية، يعكس إرادة حقيقية لتجاوز عقبات العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة، والتي لطالما أثرت سلبًا على المؤسسات السجنية والمجتمع ككل.
القانون الجديد، المنشور في الجريدة الرسمية منذ غشت الماضي، يأتي كإجابة على تحديات الاكتظاظ داخل السجون وتبعات العقوبات التقليدية التي عمّقت معاناة الأفراد وأسرهم. الحكومة أظهرت اليوم التزامًا جادًا بتنزيل هذا القانون، حيث شهد الاجتماع حضور وجوه بارزة في قطاع العدالة والمالية، مما يعكس حجم الرهان على نجاح هذا الورش الإصلاحي.
الإصلاحات المرتقبة ليست مجرد تغيير سطحي في القوانين، بل رؤية شاملة تستهدف إعادة هيكلة المنظومة العقابية برمتها. من خلال تشكيل لجان قيادة وأخرى موضوعاتية، ستعمل الحكومة على دراسة الجوانب التقنية والإدارية والمالية المرتبطة بتفعيل العقوبات البديلة. التحدي الأكبر يتمثل في إصدار المراسيم التنظيمية في ظرف لا يتجاوز خمسة أشهر، وهو ما يتطلب جهدًا مضاعفًا وإرادة قوية لضمان دخول القانون حيز التنفيذ ضمن الآجال المحددة.
الاجتماع لم يقتصر على مناقشة الجوانب النظرية، بل تطرق إلى شراكات عملية، من بينها الاتفاقية المنتظرة بين صندوق الإيداع والتدبير والمندوبية العامة لإدارة السجون. هذه الاتفاقية ستتكفل بتتبع تنفيذ العقوبات البديلة، ما يمثل نموذجًا جديدًا في إدارة العقوبات عبر إشراك مؤسسات مالية قوية في عمليات التتبع والتنفيذ. هذا التوجه قد يكون بداية لتحولات عميقة في مفهوم العدالة بالمغرب.
اللافت في هذا التوجه هو الانسجام التام مع التوجيهات الملكية السامية، التي دعت باستمرار إلى ملاءمة القوانين الجنائية مع تطورات العصر. المغرب اليوم يثبت أنه قادر على اتخاذ قرارات حاسمة وإطلاق مبادرات تعيد رسم ملامح العدالة الجنائية. التحدي الحقيقي الآن يكمن في التنفيذ الفعلي، وسط آمال كبيرة بأن يساهم هذا القانون في تقليص الاكتظاظ داخل السجون وتحقيق العدالة بطريقة أكثر إنسانية وفعالية.
الطريق نحو تنزيل قانون العقوبات البديلة لن يكون سهلًا، لكنه يمثل فرصة فريدة لإحداث تحول جذري في المنظومة العقابية. المغرب، عبر هذا القانون، يفتح صفحة جديدة في تاريخ عدالته الجنائية، صفحة تضع الإنسان في قلب المنظومة، وتعيد النظر في مفهوم العقوبة كوسيلة للإصلاح لا للانتقام.