المغرب يصنع المستقبل من النواصر.. الملك محمد السادس يطلق مشروع “سافران” العملاق لمحركات الطائرات ويعلن دخول المملكة عصر التصنيع التكنولوجي العالمي

الوطن24/ خاص
من قلب المنصة الصناعية “ميدبارك” بالنواصر، أعطى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، إشارة الانطلاق لمركب صناعي عملاق تابع لمجموعة “سافران” الفرنسية، أحد أكبر المصنعين في العالم في مجال محركات الطائرات.
لكن الحدث يتجاوز البعد الصناعي والتقني، ليشكل تحولًا استراتيجيًا عميقًا في مسار المغرب كقوة صاعدة في الصناعات المتقدمة، وكرسالة قوية للعالم مفادها أن المملكة لم تعد فقط تصنع أجزاء الطائرات، بل أصبحت اليوم تصنع محركاتها.
الملك يقود ثورة صناعية جديدة في المغرب
ترؤس جلالة الملك لحفل تقديم وإطلاق أشغال إنجاز هذا المركب المندمج لم يكن مجرد نشاط رسمي، بل هو إعلان ملكي عن دخول المغرب مرحلة جديدة من التصنيع الذكي والمندمج.
فالحدث يجسد رؤية استراتيجية طويلة المدى، ترتكز على جعل المملكة محورًا تكنولوجيًا على مستوى القارة الإفريقية والعالم العربي، في وقت تتجه فيه الصناعات نحو التحول الرقمي والابتكار في مجالات دقيقة مثل صناعة الطيران والفضاء.
من خلال هذا المشروع، يثبت المغرب مرة أخرى أنه لا يراهن فقط على الاستثمارات الخارجية، بل على نقل المعرفة والتكنولوجيا، وعلى تأهيل الشباب المغربي ليكون في صلب الثورة الصناعية الرابعة.
وما حضور ولي العهد الأمير مولاي الحسن إلى جانب والده في هذا الحفل التاريخي إلا إشارة رمزية إلى استمرارية المشروع التنموي للمغرب عبر الأجيال.

“سافران” تختار المغرب مجددًا.. الثقة لا تُشترى
اختيار مجموعة “سافران” العالمية للمغرب لإنشاء ثاني أكبر موقع لإنتاج محركات الطائرات LEAP-1A بعد فرنسا ليس صدفة.
إنه تصويت جديد بالثقة في قدرات المغرب وكفاءاته، وفي بيئة الأعمال التي أصبحت واحدة من الأكثر استقرارًا وجاذبية في العالم.
الاستثمار الذي يتجاوز 3.4 مليار درهم، سيخلق 900 منصب شغل مباشر ويضع المملكة في مركز صناعة المحركات الجوية، وهي مرحلة لم تكن متاحة لأي دولة في المنطقة قبل عقد من الزمن.
رئيس مجلس إدارة “سافران”، روس ماكينيس، لخص المشهد بعبارة لافتة حين قال: “نحن لا نُنتج في المغرب فحسب، بل مع المغرب.”
هذه الجملة تختزل عمق الشراكة المغربية-الفرنسية في الصناعة، وتؤكد أن العلاقة بين الجانبين لم تعد علاقة استثمار أحادي، بل تعاون مبني على الندية والابتكار المشترك.
رهان المغرب: صناعة الطيران كرافعة للسيادة الاقتصادية
منذ مطلع الألفية، تبنى المغرب رؤية جريئة لتطوير صناعة الطيران، وجعل منها واحدة من “المهن العالمية للمغرب” إلى جانب السيارات والإلكترونيات.
وقد جاءت نتائج هذه الرؤية الملكية باهرة: فبين عامي 2004 و2024 ارتفع رقم معاملات صادرات القطاع من أقل من مليار درهم إلى أكثر من 26 مليار درهم، وفق ما أكده وزير الصناعة والتجارة رياض مزور أمام جلالة الملك.
اليوم، لم يعد المغرب يكتفي بتجميع أجزاء الطائرات، بل أصبح فاعلًا كاملًا في سلسلة القيمة العالمية، من التصميم إلى الصيانة والتجريب.
إنها نقلة نوعية تُحول المغرب إلى مركز طيران إفريقي متكامل، يجذب المستثمرين، ويخلق فرص عمل مؤهلة للشباب، ويُعزز مكانة المملكة كقوة صناعية حقيقية.
المغرب والابتكار الطاقي: صناعة نظيفة لمستقبل أخضر
لم يقتصر حفل النواصر على إطلاق المشروع الصناعي فقط، بل شهد أيضًا توقيع اتفاقيات كبرى لتزويد مصانع “سافران” بالطاقات المتجددة.
وهي خطوة تعكس رؤية المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس نحو دمج التحول الطاقي في السياسات الصناعية.
فصناعة الطيران في المغرب ستكون مستقبلاً جزءًا من المنظومة البيئية النظيفة، التي تعتمد على الطاقة الشمسية والريحية في التشغيل والإنتاج، مما يجعل المملكة ضمن رواد الصناعة المستدامة في العالم.
صورة تلخص المستقبل
في ختام الحفل، التُقطت صورة تذكارية لجلالة الملك محمد السادس مع مجموعة من الشباب المغاربة المتدربين بمعهد مهن الطيران بالنواصر.
تلك الصورة لم تكن بروتوكولية، بل كانت رمزًا للمغرب الجديد: شباب مؤهل، وملِك يقود برؤية، وصناعة وطنية تتجه بثبات نحو العالمية.

الأثر الاقتصادي.. المغرب يربح معركة الأرقام والفرص
من منظور اقتصادي خالص، لا يمثل مشروع “سافران” مجرد توسع صناعي جديد في النواصر، بل هو منعطف اقتصادي حاسم سيساهم في إعادة رسم ملامح الخريطة الصناعية للمملكة.
فهذا الاستثمار العملاق الذي تتجاوز قيمته 3.4 مليار درهم، سيتحول خلال السنوات القليلة المقبلة إلى قاطرة حقيقية للنمو الصناعي المغربي، عبر مضاعفة الصادرات، وتحسين الميزان التجاري، وخلق فرص شغل نوعية ذات قيمة مضافة عالية.
وحسب تقديرات أولية لخبراء الصناعة، من المتوقع أن يضيف المركب الصناعي الجديد ما يقارب 0.3 نقطة مئوية للناتج الداخلي الخام بحلول سنة 2030، بفضل الدينامية التي سيخلقها في سلاسل الإنتاج والنقل والخدمات اللوجستية.
كما سيساهم المشروع في خفض معدل البطالة في جهة الدار البيضاء–سطات، عبر توفير مئات الوظائف المباشرة وآلاف الوظائف غير المباشرة في مجالات التكوين، والهندسة، والميكانيك الدقيقة، والطاقة المتجددة.
أما على مستوى التموقع الجيو–اقتصادي، فإن هذا المشروع يجعل من المغرب شريكًا لا غنى عنه في سوق الطيران العالمي، ويضعه في مصاف الدول القليلة القادرة على إنتاج وصيانة محركات الطائرات من الجيل الجديد.
إنه إنجاز اقتصادي وتقني بقدر ما هو رسالة سيادية للعالم مفادها أن المغرب لا يكتفي بالمنافسة، بل يعتلي قمم الريادة بثقة وهدوء تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، الذي جعل من التصنيع المتطور رافعة أساسية لاستقلال القرار الاقتصادي الوطني.
وبينما كانت دول كبرى تكتفي بالمتابعة، اختار المغرب أن يبادر، وأن يصنع المستقبل من أرضه، وبعقول وسواعد شبابه، ليؤكد من جديد أن المملكة المغربية ليست فقط منصة إنتاج، بل منصة إلهام وصناعة عالمية بامتياز.
