المغـرب: اختلالات في تدبير 840 مليار سنتيم وإضاعة فرص التنمية بإقليم القنيطرة.

كشفت مصادر مطلعة لـ”الوطن 24″ أن المجلس الجهوي للحسابات بجهة الرباط سلا القنيطرة قد وجه استفسارًا إلى جواد غريب، رئيس المجلس الإقليمي للقنيطرة عن حزب التجمع الوطني للأحرار، وذلك للرد على الملاحظات التي سجلها قضاة المجلس أثناء إجراء افتحاص مالي وإداري للمجلس الإقليمي. وقد شمل التدقيق أوجه صرف الميزانية والمشاريع التي يشرف عليها المجلس، خاصة تلك المدرجة ضمن المخطط الاستراتيجي للتنمية المندمجة والمستدامة لإقليم القنيطرة (2015-2020) في المغرب.

كان من المفترض أن ينتهي هذا المخطط، الذي رُصد له غلاف مالي قدره 840 مليار سنتيم، في سنة 2020، لكنه بعد مرور عشر سنوات على إطلاقه، لا تزال أغلب المشاريع إما متعثرة أو متوقفة، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول نجاعة تدبير هذا الورش التنموي الضخم. هذا المخطط، الذي أطلقه الملك محمد السادس سنة 2015، كان يُرتقب أن يشكل رافعة أساسية لتنمية إقليم القنيطرة، لكنه الآن يواجه تحديات كبرى تثير الشكوك حول مدى التزام المسؤولين بتنفيذه وفق الأهداف المسطرة.

أكدت المصادر أن التدقيق الذي أجراه المجلس الجهوي للحسابات ركز على مدى تنفيذ المشاريع المقررة في إطار المخطط الاستراتيجي، ومدى احترامها للميزانية المرصودة. وأظهرت النتائج الأولية أن العديد من المشاريع التي كان يُنتظر أن تحدث نقلة نوعية لم تُنجز في الآجال المحددة، مما يثير تساؤلات حول الشفافية وفعالية التدبير المالي.

كل المؤشرات تؤكد أن تدبيرًا غير رشيد شاب تنفيذ المخطط الاستراتيجي للتنمية المندمجة والمستدامة بإقليم القنيطرة، وأن هذا المشروع، الذي أراده جلالة الملك محمد السادس أن يكون دعامة أساسية لتنمية منطقة الغرب، لم يُحقق أهدافه. ويبرز هذا الفشل من خلال تجاوز المدة الزمنية المحددة لإنجازه، وتعثر أو توقف المشاريع، فضلًا عن تساؤلات حول جودة المنجز منها ومدى تطابقها مع دفاتر التحملات.

كما تحيط شكوك كبيرة بمدى احترام مبدأ التنافسية في إبرام الصفقات العمومية، خاصة مع تداول معلومات حول اختفاء المقاول القاسمي، الذي حصل على أغلب الصفقات خلال الفترات الانتدابية السابقة. غيابه المفاجئ، الذي يرقى إلى مستوى الهروب، يطرح علامات استفهام كبيرة حول طبيعة الصفقات التي فاز بها، وحول مدى نزاهتها واحترامها لمعايير الحكامة الجيدة، مما يعزز المخاوف بشأن احتمال وجود تلاعبات مالية أضرّت بالمصلحة العامة.

هذا الوضع يفرض مساءلة عاجلة، خاصة أن الأمر يتعلق بمشروع ملكي يفترض أن يحظى بعناية واهتمام كبيرين من طرف المسؤولين المحليين. الإخلال بالتزاماتهم الوطنية في تنفيذ هذا المخطط يعكس غيابًا واضحًا للحس بالمسؤولية، مما يستدعي تدخل الجهات المختصة لضمان المحاسبة وربط المسؤولية بالمحاسبة، وفق ما ينص عليه الدستور المغربي.

في ظل هذه التطورات، ينتظر الرأي العام، سواء في القنيطرة أو على المستوى الوطني، مخرجات هذا الملف الذي تحوم حوله شبهات فساد. المواطن العادي، قبل المتتبعين للشأن العام، يتطلع إلى معرفة ما إذا كانت هناك إجراءات جدية ستُتخذ لمحاسبة المسؤولين عن هذا التعثر، أم أن الملف سيُطوى دون نتائج واضحة.

إن تعثر المشاريع التنموية الكبرى في إقليم القنيطرة يفرض إعادة النظر في آليات الحكامة والتدبير المحلي. فبعد عشر سنوات من إطلاق المخطط الاستراتيجي، لم تحقق المنطقة الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي المأمول، بل أُهدرت فرص تنموية حقيقية بسبب سوء التدبير. يبقى السؤال المطروح: هل ستتحرك الجهات المعنية لتصحيح المسار، أم أن هذا الملف سينضم إلى قائمة المشاريع التي لم تُنجز رغم الميزانيات الضخمة التي رُصدت لها؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *