بين رقصات أخنوش في أكادير ودموع الشباب في الفنيدق: المغرب على حافة الانفجار الاجتماعي.

في حادثة غير مسبوقة في تاريخ المغرب الحديث، تجسدت أزمة الشباب المغربي في محاولة فرار جماعية من الفنيدق، في الوقت الذي كان رئيس الحكومة عزيز أخنوش يتراقص على أنغام “مهبول أنا” مع شبيبة حزبه في أكادير. هذه الواقعة العجيبة تلخص التناقض الصارخ بين الخطاب الرسمي المزين بإنجازات سطحية، والواقع اليومي الذي يعيشه المغاربة، خاصة الشباب، الذين باتوا يشعرون بأن مستقبلهم في وطنهم غائم وضبابي.

بينما كان رئيس الحكومة يستعرض أمام جمهوره ما يعتبره إنجازات حكومته، كانت القوات الأمنية في سباق مع الزمن لإحباط محاولة الفرار الجماعية. هذا التحرك يعكس مستوى الانفصام بين الدولة والشعب، ويؤكد فشل السياسات التي لم تُفلح في تلبية احتياجات المواطنين الأساسية، أو توفير بيئة اقتصادية واجتماعية تُلهم الأمل وتفتح آفاقاً حقيقية للتنمية.

الأمر لم يعد يتعلق فقط بالبطالة التي تطال الفئات الشابة، بل بات مرتبطاً بغلاء المعيشة الذي أصبح لا يطاق حتى لمن يتقاضون أجوراً تتجاوز الحد الأدنى بخمس أو ست مرات. الأسعار ترتفع بشكل غير مبرر، والقدرة الشرائية تنهار، مما يدفع الكثيرين إلى البحث عن مخرج حتى لو كان في مغامرة غير محسوبة خارج البلاد. في الوقت ذاته، يستمر الفساد في نخر الإدارة العمومية والسياسة، ما يجعل الناس يفقدون الثقة في مؤسسات الدولة وفي قدرة الحكومة على إيجاد حلول فعلية.

الفضائح الحكومية لا تتوقف؛ من امتحانات المحاماة إلى الإضرابات المستمرة في قطاع التعليم والصحة، والاحتجاجات التي لا تنتهي. كل هذا في وقت يغيب فيه الإصلاح الجاد، بينما تستمر الحكومة في إغلاق آذانها عن مطالب الشارع، وكأنها تعيش في عالم آخر.

مفارقة ما حدث في أكادير والفنيدق ليست مجرد تفصيل عابر، بل هي صورة مصغرة للوضع العام في البلاد. ففي الوقت الذي يرزح فيه سكان الجنوب تحت وطأة الفيضانات ويعانون من التشرد، يستمر المسؤولون في تجاهل معاناتهم والانشغال بتظاهرات حزبية لا تعكس إلا البعد الكبير بين طموحات الشعب واهتمامات الحكومة.

إن مشهد الشباب وهم يحاولون الهروب من البلاد ليس مجرد حادثة عابرة، بل هو صرخة في وجه واقع خانق يتطلب مراجعة شاملة. الحكومة مطالبة الآن بالتحرك السريع لإعادة الأمل إلى قلوب الشباب، ووضع سياسات فعلية تستطيع أن تجيب عن تساؤلاتهم وتمنحهم أسباباً للبقاء. فالفرار الجماعي، رغم خطورته، يبقى نتيجة حتمية لسياسات عاجزة وفاشلة في مواجهة تحديات العصر.