تحديات القطاع الصحي في المغرب: الفجوات التنموية والمعاناة اليومية للمواطنين

الوطن24/ خاص
في حادثة مأساوية جرت مؤخرًا في قرية “تكوخ” التابعة لجماعة أيت تمليل بإقليم أزيلال، اضطُرَّ مواطنون إلى حمل سيدة حامل على الأكتاف للوصول بها إلى سيارة الإسعاف، بعدما حالت وعورة الطريق دون وصول المركبات إلى المنطقة. تمثل هذه الحادثة نموذجًا حيًّا للتحديات الكبيرة التي يواجهها سكان المناطق الجبلية والنائية في المغرب، حيث يتحول التنقل إلى المرافق الصحية إلى مهمة شبه مستحيلة، ما يعكس بوضوح فشل بعض السياسات التنموية في الوصول إلى هذه الفئات الهشة.

الفجوات التنموية في المغرب: واقع صعب يعيشه المواطنون
على الرغم من التقدم الذي أحرزه المغرب في العديد من المجالات التنموية، إلا أن هناك مناطق لا تزال تعاني من فجوات تنموية كبيرة. تعيش العديد من القرى والمناطق الجبلية صعوبات كبيرة في الوصول إلى الخدمات الأساسية، لاسيما الرعاية الصحية. فالمواطنون في هذه المناطق يواجهون تحديات حقيقية في التنقل إلى المستشفيات أو المراكز الصحية، ما يشكل تهديدًا فعليًا لحياتهم في حالات الطوارئ.
حادثة “تكوخ” ليست سوى جزء من مشهد أوسع. فقد أصبحت هذه الحوادث المؤلمة مؤشرًا على ضرورة إعادة النظر في أولويات التنمية في هذه المناطق، التي لا تزال تعاني من التهميش، رغم الجهود المبذولة لتحسين وضعها. ففي بعض الحالات، لا تقتصر المشكلة على عدم توفر المرافق الصحية، بل يمتد الأمر إلى صعوبة الوصول إليها بسبب الطرق الوعرة، وهو ما يضاعف من معاناة المرضى.
العدالة المجالية: ضرورة ملحة
حادثة “تكوخ” تثير مجددًا قضية العدالة المجالية، وهي قضية لطالما كانت مصدر جدل في المغرب. العدالة المجالية تعني أن جميع المواطنين يجب أن يحصلوا على نفس الفرص والخدمات الأساسية، بغض النظر عن مكان إقامتهم. ومع أن المدن الكبرى شهدت تحسنًا ملحوظًا في مستوى الخدمات الصحية والبنية التحتية، فإن المناطق النائية والجبلية لا تزال تعاني من تهميش واضح.
رغم بعض المبادرات التي أطلقتها الحكومة لتحسين البنية التحتية في هذه المناطق، فإن العديد من القرى تبقى غير قادرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية. ويتعين على الحكومة والمجتمع المدني العمل بشكل مكثف لإيجاد حلول مستدامة لهذه المشكلة.

التحديات الصحية في المغرب: معاناة يومية
يواجه القطاع الصحي في المغرب تحديات كبرى، تشمل نقصًا في الأطباء والممرضين، ضعفًا في البنية التحتية للمرافق الصحية، وتدني مستوى الخدمات في بعض المستشفيات. فرغم بعض الإصلاحات التي شهدها القطاع، مثل بناء مستشفيات جديدة أو تجديد المرافق الصحية، لا يزال العديد من المناطق تعاني من قلة الإمكانيات والتجهيزات.
في المناطق الجبلية والنائية، تزداد هذه التحديات تعقيدًا بسبب بعد المرافق الصحية عن سكان هذه المناطق. ففي حالات الطوارئ، يجد المواطنون أنفسهم مضطرين للسفر مسافات طويلة إلى المستشفيات، وهو ما قد يؤدي في بعض الحالات إلى تفاقم الوضع الصحي أو حتى الوفاة في بعض الحالات الحرجة.
هل يمكن معالجة هذه الأعطاب؟
معالجة هذه الأعطاب في القطاع الصحي تتطلب إرادة سياسية حقيقية، بالإضافة إلى تخطيط استراتيجي طويل المدى. ليس الحل فقط في بناء مستشفيات جديدة، بل في توفير البنية التحتية اللازمة، مثل الطرق الجيدة والآمنة، التي تتيح للمواطنين الوصول إلى خدمات الطوارئ بسهولة.
من المهم أن تشمل هذه الإصلاحات التركيز على تدريب الأطباء والممرضين وتوجيههم للعمل في المناطق النائية، حيث إن تخصيص الموارد البشرية في هذه المناطق قد يسهم بشكل كبير في تقليل الفجوة الصحية بين الحضر والريف. كما أن تسريع تنفيذ المشاريع الصحية وتوسيع شبكة الخدمات الصحية على مستوى القرى والمناطق النائية سيكون خطوة أساسية نحو تحسين الوضع.

التنمية الشاملة: حق للجميع
إن التنمية الحقيقية في المغرب لن تتحقق إلا عندما يصل أثرها إلى جميع المواطنين، بغض النظر عن موقعهم الجغرافي أو ظروفهم الاجتماعية. فالمواطن في “تكوخ” أو في أي قرية نائية أخرى له نفس الحق في الحصول على رعاية صحية جيدة وفي الوقت المناسب، كما هو الحال مع مواطني المدن الكبرى. لهذا، يجب على الحكومة توجيه استثماراتها بشكل أكثر عدلاً نحو المناطق النائية، لضمان أن يحصل الجميع على حقوقهم الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية.
التنمية الشاملة ليست مجرد بناء بنية تحتية أو تحسين معدلات النمو الاقتصادي، بل هي بناء مجتمع يتساوى فيه جميع أفراده في الحصول على الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة والتعليم. تحقيق هذه العدالة المجالية يتطلب تضافر الجهود بين مختلف الفاعلين السياسيين والمجتمع المدني لتوفير حلول مستدامة.
خاتمة
وفي الختام يتضح أن حادثة “تكوخ” تذكّرنا بأن التنمية المستدامة ليست مجرد شعارات، بل هي حق لكل مواطن. فالمواطن في المناطق الجبلية والنائية يجب أن يحظى بنفس الاهتمام والرعاية التي يتمتع بها المواطن في المدن الكبرى. والقطاع الصحي في المغرب بحاجة ماسة إلى إصلاحات جذرية تشمل تعزيز البنية التحتية، توظيف الموارد البشرية بكفاءة، وتحسين نوعية الخدمات الصحية المقدمة.
إن إغلاق الفجوات التنموية ليس مهمة سهلة، لكنه ضروري من أجل بناء مجتمع عادل ومنصف. على السلطات المغربية أن تأخذ هذه القضايا على محمل الجد وتضعها في صلب أولوياتها، لضمان حياة كريمة لكل مواطن، بغض النظر عن مكان إقامته.