تحليل الخطاب.. مفتاح اللغز..
الوطن 24/ بقلم: مريم التيجي
أتذكر جيدا أن الخطاب الذي كان يوحد كل “الملتزمين” منذ أن التحقت بدائرتهم، وأنا مراهقة في أواسط الثمانينيات من القرن الماضي، وعلى اختلاف انتماءاتهم، التي سأعرف بوجودها في وقت لاحق، كان قائما على الشعور بالتمايز والأفضلية على بقية مكونات المجتمع، فقد كنا نحن “جند الله” و “الفرقة الناجية” و”الطلائع” و”الملتزمين بشرع الله” و “السنيين”.. بينما كان كل من هو خارج الدائرة يتردى في “الجاهلية” .
كان للمجتمع ضفتان، على إحداها يقف “الملتزمون” وعلى الاخرى ينتشر “العاديون”.
لذا سمعت كثيرا أثناء أحاديثنا المتبادلة أن فلان “أخ” أو “ملتزم” وفلان “عادي”.
يبدو هذا التوصيف غريبا بعد مرور كل هذه السنوات وحصول الكثير من التغيرات، لكنه كان أمرا واقعا في ذلك الوقت.
الا أن هذا الشعور بالتمايز والأفضلية، كان يلازمه شعور كبير بالاغتراب والمظلومية، كرسه واقع سنوات الرصاص التي كان يعيشها المغرب، ومنسوب القمع العام المرتفع آنذاك، إضافة الى كتب وأدبيات جماعة “الاخوان المسلمون”، القادمة من مصر وأدب “المحنة” وتلك الكتب والتسجيلات الصوتية الخارجة من المعتقلات المصرية الرهيبة ايام حكم جمال عبد الناصر. حتى أن اسم معتقل “ليمان طرة” المصري لم يسقط من ذاكرتي الى اليوم، مع كل ما ارتبط به تاريخيا من تعذيب وقتل..
ولأننا كنا نحمل “الاسلام الصافي” فقد كنا “قابضين على الجمر”، وكان يصدق علينا، بحسب ما كنا نعتقد وكما لا يزال يعتقد الى الان بعض المتدينين، الحديث النبوي المروي عن أنس بن مالك، عن الرسول عليه السلام “يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر”
كان اعتقادنا يقينا أن “الزمان” الذي ورد ذكره أكثر من مرة في أحاديث الرسول، هو هذا الزمان ولا زمان آخر قبله أو بعده، فقد تجلت فيه كل الإشارات التي وردت في الاحاديث النبوية الشريفة، التي كنا نعتبرها من الكرامات النبوية التي تحدثت عن الغيب، ووصفت زمنا تحقق بعد مئات السنين من زمن النبوة.
ومن الأحاديث المشهورة التي كنا نتداولها فيما بيننا، ونستمع لها بخشوع في جلسات “الذكر” أو في “جلسات الوعظ والإرشاد” ونعتبرها نبراسا يرسم خطة ما علينا عمله وما علينا الالتزام به بوضوح لا يرقى اليه الشك، كان حديث “بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء…قيل يا رسول الله من الغرباء؟ قال : الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي..”
كانت المشاعر نتيجة لهذا الزخم من الأحاديث والنصوص الدينية، وللاضطهاد الأمني والسياسي سواء خارج المغرب أو داخله، عالية جدا. وكان منسوب التضحية “أسطوري” في بعض الأحيان…