“حجْرة” اليوسفي وحُجرة بنكيران…الأسطورة والخرافة

الوطن24/ بقلم: إدريس عدار

إدريس عدار

المقارنة بين أمرين تقتضي شرط المقابلة. المفاضلة بين عبد الرحمن اليوسفي رحمه الله وبين عبد الإله بنكيران تحتاج وضعهم في نفس الميزان كي نقيس التمايز بينهما. في الطموح لا يوجد أفضل من الزعيم الإسلامي وكما قال حسن حمورو، رئيس اللجنة المركزية لشبيبة العدالة والتنمية “طموح بنكيران وطموحنا معه أكبر من حجْرة في شارع”…هكذا علق الفتى الإسلامي على تسمية أحد شوارع طنجة باسم اليوسفي..

بنكيران لا حدود لطموحه. ليس شجاعة ولكنه يتقن المخاتلة. وهي ميزته التي مارس حتى بين أصدقائه ورفاقه. فلو كانت مقتضيات الربيع العربي ترسم سقفا كبيرا للمغرب لم يكن ليرضى برئاسة حكومة. وظل في وقت وحين يهدد الجميع بهذا الربيع. لم يسكت حتى عادت الحافلة تجمع “مانوفرية الإخوان” من العروش والكراسي. فأصبح همه إصلاح “الكوزينة وبيت النعاس”.

قد يبكي البعض على بنكيران غدا لكن ليس كبكائهم على اليوسفي. وهنا مكمن المغالطة. اليوسفي الذي ظل ساكتا لم يقم بتزوير التاريخ، ولكن كتب التاريخ بعمله. وبياضات هذا الماضي لن تملأها إلا الأسطورة. للأسف من كتب تجريحا في اليوسفي يخلط بينها وبين الخرافة. الأسطورة قد تكون غير واقعية لكنها عقلانية بينما الخرافة مجانبة للعقل. وشبيه بذلك الفيزياء المستحيلة. التي هي قمة ما وصل إليه العقل من حل لألغاز المعادلات، لكنها غير واقعية بامتناعها عن التنزيل على أرض الواقع.

قد تجيب الأسطورة عن كثير من الأسئلة التي ظلت دون جواب. أجوبة تخضع للعقل دون أن تكون في الواقع..من حقنا أن نملأ بياض صفحات اليوسفي لكن سواد كتاب بنكيران يحتاج إلى من يمحوه.
نعم لأسطورة اليوسفي لا لخرافة بنكيران..
اليوسفي شخصية سياسية كباقي عباد الله السياسيين. لكن المفاضلة بناء على عنصرين غير متوازيين هو التدليس لما يتلبّس بالفكر ويزعم المعرفة.

في ميزان النضال قبل أن يأتي الزعيم الاتحادي للحكومة كان يجر وراءه أربعين سنة من النضال من أجل الديمقراطية..أحكام بالإعدام. كلفت ثواني من مروره بإحدى نشرات الأخبار سنة 1972 إعادة مشاهدة 24 ساعة من الإنتاج لمعرفة أين الخطأ. القصة يحكيها الصديق معنينو في مذكراته. كان اليوسفي يدافع عن الثورة الفلسطينية. أمام المحكمة بجنيف كان يقف اليوسفي بقبعة روسية. استنفر مولاي أحمد العلوي كل قواه لمعالجة الخلل.
هو رجل مبدئي في مسعاه. إذا كان قد أخطأ كما يقول البعض فقد أخطأ في المبدئية.

في ميزان النضال كان بنكيران خادما لإدريس البصري. فصلت في هذا الموضوع كثيرا، والرسالة التي يتداولها البعض اليوم نشرتها منذ سنوات. لا عهد له بالنضال الديمقراطي. صناعة كان يعرف “صاحب المصنع” ماذا يريد بها. وحزبه لم يخرج من رحم الشعب كما يزعم. بل هو نتاج زواج سفاح بين وزير الدولة في الداخلية والدكتور عبد الكريم الخطيب.

في الحكومة جاء عبد الرحمن اليوسفي وزيرا أول. في شروط مختلفة. خسر فيها الكثير. قد يكون مخطئا لكنه مبدئي. ولم يتنازل عن اختصاصاته. وقاوم من أجل تطبيقها.

في الحكومة جاء بنكيران رئيسا لها. بصلاحيات مختلفة وأجواء محلية وإقليمية ودولية مغايرة. لم يفكر في صلاحياته بدعوى أنه لا يريد الاصطدام مع الملك أو بدعوى وجود التماسيح والعفاريت. تخلى عنها طواعية. طبعا السياسة مثل الطبيعة لا تقبل الفراغ. لكن بنكيران كان يريد التفرغ لـ”التمكين”. وهي الطموح الأكبر من “حجْرة” في الشارع. مفهوم مرتبط بالتنظيم الإخواني وازداد انتعاشا مع الربيع العربي.

طبعا سيبكي البعض على بنكيران غدا. لأن التاريخ يتم تحريفه اليوم من طرف من كانوا إلى الأمس القريب “شغّالين” لدى الوهابية السرورية. سيلجؤون إلى بعض الأفعال، التي ينبغي قراءتها في وقتها، ويتم تضخيمها قصد التنقيص من الرجل. والمضحك أن يزعم البعض أنه في عهد اليوسفي “بدأت الاعتقالات في صفوف المغاربة العائدين من أفغانستان والسلفيين بالعشرات وهو صامت”.

هذا الملف من المعروف أنه اختصاص أمني. وكان على كاتب هذه الكلمات أن يذكر أن بنكيران تعاون مع الخطيب في إرسال المغاربة إلى أفغانستان. لكن العاقل يعرف أن التوظيف مرحلي. وليتحمل كل مسؤوليته. وهل كان ينتظر من اليوسفي أن يستقبلهم بالحليب والتمر؟ ويلتقي هنا مع بنكيران في التشكيك في العمليات الإرهابية. لأن اعتقالات السلفيين بالعشرات عملية تمت بعد 16 ماي. أما قبلها فكانوا محسوبين على رؤوس الأصابع. الزعيم الإسلامي شكك ذات يوم في الحادث. وكما عليه أن يجيب عن سؤال حول الانتقال من خدمة “الزعيم الوهابي السروري” إلى خدمة الزعيم صاحب الكتاب الأعجوبة حول الحركة الإسلامية. خلط غريب.

لم يصبح المغرب في عهد اليوسفي جنة، لكنه في عهد بنكيران أصبح جهنما حمراء. إذا كانت لليوسفي أخطاؤه فينبغي قياسها بمعيار التاريخ، لكن تبييض وجه بنكيران دونها خرط القتاد. ولعب دور الضحية لن يجدي نفعا بعد ماض مليء بالتحريض على الآخر.