خـروج مصطفـى الرمـيد: مناورة سياسية أم رسالة داخلية لحـزب العـدالة والتنمية في المغـرب؟

الوطن24/ خاص
في توقيت حساس للغاية، قبيل الاستحقاقات الانتخابية في المغرب، يثير خروج مصطفى الرميد عن صمته تساؤلات واسعة حول دوافعه الحقيقية. الرجل الذي اعتزل السياسة رسميًا في وقتٍ سابق بسبب ظروف صحية، عاد ليُصدر تصريحات جديدة تبدو أنها تثير الكثير من الجدل في الساحة السياسية المغربية. فهل فعلاً كانت مغادرته للميدان السياسي مجرد قرار شخصي، أم أن وراء هذا التصعيد هدف سياسي قد يكون أبعد من مجرد الحديث عن وضعه الصحي؟
1. لماذا هذه الفترة؟ هل كانت الفرصة المناسبة له “لتهديم” الحزب علنًا؟
التوقيت الذي اختاره الرميد للكشف عن استقالته السياسية يطرح الكثير من الأسئلة. نحن في مرحلة انتخابية حاسمة، وأي خطوة قد تؤثر بشكل كبير على مصير الحزب في المستقبل. هل كان من الأفضل لمصطفى الرميد أن يلعب دور “الناصح” داخل الحزب، وأن يساعد في تصحيح مسار الحزب بدلًا من اختياره الهجوم العلني الذي قد يضر بسمعة الحزب، خاصة إذا كان الهدف هو تصحيح الأوضاع الداخلية بعيدًا عن الإعلام؟ هناك من يرى أن الرميد اختار تصعيدًا قد يُؤدي إلى هدم ما بناه الحزب على مدار سنوات.
2. ما هي نواياه؟ هل يختبئ وراء تصعيده أبعاد سياسية خفية؟
إن مصطفى الرميد، كأحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية في المغرب، لطالما كان رمزًا للثقل السياسي داخل الحزب. لكن في الآونة الأخيرة، ومع تراجع دور الحزب داخليًا وخارجيًا، برزت تساؤلات عن دوافع الرميد وراء خروجه الإعلامي المفاجئ. هل هو محاولة منه لإعادة الحزب إلى المسار الصحيح أم أنه يعكس صراعًا داخليًا لم يُكشف عنه من قبل؟ فهل يعكس موقفه الحالي استياءً داخليًا من سياسات الحزب أو من تراجع دوره القيادي في الحزب؟
3. هل الرميد يمثل التيار التقنوقراطي داخل العدالة والتنمية؟
من المعروف أن حزب العدالة والتنمية لطالما كان يرتكز على الأيديولوجيا الإسلامية، ولكن الرميد كان دائمًا أحد الوجوه الأكثر تقنيًا داخل الحزب. فهل كان يميل أكثر إلى السياسات التقنية والإدارية بدلًا من المسار الدعوي التقليدي؟ ربما كانت هذه أحد الأسباب التي جعلت الرميد يشعر بالتهميش في السنوات الأخيرة داخل الحزب، خصوصًا مع تصاعد الأيديولوجيات الدعوية داخل الحزب في الوقت الذي كان يركز فيه هو على القضايا القانونية وحقوق الإنسان. هل يعتبر الرميد في نظر البعض “تقنوقراطًا” داخل الحزب، أم أن الفارق في رؤيته جعل تواجده السياسي أكثر صعوبة في الفترة الأخيرة؟
4. هل كان مصطفى الرميد الأحق برئاسة الحكومة في ولايتها الثانية؟
من الأسئلة المثيرة هي: هل كان مصطفى الرميد الأحق بتولي رئاسة الحكومة في ولايتها الثانية، بعد استقالة عبد الإله بنكيران؟ ففي ظل الوضع المعقد الذي ساد داخل حزب العدالة والتنمية بعد 2011، هل كان يُفضل للرميد أن يتولى رئاسة الحكومة في ولاية ثانية، خصوصًا مع وجود تقارير تُشير إلى أن بعض قيادات الحزب كانت تراه الشخص الأنسب لتولي هذه المسؤولية؟ وهل كان استياء الرميد من هذا الوضع أحد الأسباب التي دفعته إلى اتخاذ موقف حاسم في الفترة الأخيرة؟
5. هل الرميد كان “الرئيس الفعلي” للحكومة المغربية في ولاية العثماني؟
التساؤل الأكبر يظل: هل كان مصطفى الرميد هو “الرئيس الفعلي” للحكومة في ولاية سعد الدين العثماني الثانية؟ رغم أن العثماني تولى رئاسة الحكومة، إلا أن البعض يعتقد أن الرميد كان صاحب التأثير الأكبر على القرارات الرئيسية في الحكومة. هل كان الرميد هو الشخص الذي كان يحرك الملفات الحساسة مثل العدالة وحقوق الإنسان، بينما كان العثماني يمثل فقط الوجه السياسي؟
6. هل كان تقلص دور الرميد في الحكومة “انتقامًا سياسيًا”؟
من جهة أخرى، لا يمكن تجاهل حقيقة أن دور مصطفى الرميد في الحكومة قد تقلص بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث تم تقليص منصبه من وزير دولة مكلف بحقوق الإنسان إلى وزير مكلف بالعلاقات مع البرلمان، وهو منصب أقل أهمية. هل كان هذا التراجع نتيجة لصراع داخلي بين الرميد وبعض قيادات الحزب؟ هل كان سعد الدين العثماني هو من يقف وراء هذا التراجع في دور الرميد، أم أن هناك عوامل أخرى وراء هذه القرارات التي أثرت على مسيرة الرميد السياسية؟
7. هل كان خروج الرميد في هذه اللحظة “انتقامًا سياسيًا”؟
قد يراها البعض خطوة انتقامية من الرميد ضد صراعات داخلية في الحزب. ربما كان هذا الخروج العلني بمثابة إشارة سياسية قوية ضد قيادات معينة داخل الحزب، بعد شعوره بأن دوره قد تم تهميشه في الحكومة والمستقبل السياسي لحزب العدالة والتنمية. قد يكون هذا التصعيد الإعلامي وسيلة للضغط على الحزب كي يتراجع عن بعض سياساته.
8. هل خرجات الرميد تعكس فشل بنكيران وحاجة العدالة والتنمية للقصر؟
تطرح تساؤلات حول ما إذا كانت خرجات مصطفى الرميد تعكس محاولة لتوجيه اللوم إلى عبد الإله بنكيران، باعتباره المسؤول عن فشل بعض سياسات الحزب. ربما يريد الرميد أن يظهر أن حزب العدالة والتنمية لا يزال يحتاج دعم القصر المغربي لكي لا يُعاقب في الاستحقاقات المقبلة. هل يحاول الرميد إشراك القصر في تحريك دفة الحزب، خاصة في هذه المرحلة الحساسة؟
9. الخـــــــلاصــــــة:
خروج مصطفى الرميد في هذه الفترة المثيرة للجدل يعكس صراعًا داخليًا مع الحزب الذي ساهم في تأسيسه وقيادته لسنوات. هل هو مجرد خروج بسبب ظروف صحية أم أن هناك رسائل سياسية خفية يقف وراءها؟ في النهاية، سيظل السؤال قائمًا: هل كانت هذه خطوة لتصحيح المسار أم محاولة لهدمه من الداخل؟
إن مصطفى الرميد يختزن عمقًا تاريخيًا يؤسس للبدايات الأولى لتبلور فكرة نشأة العدالة والتنمية في المغرب، من حيث بناء التصورات والرؤى التنظيمية والعمق الجماهيري الذي شكله عبر انتمائه الجغرافي لمنطقة الدار البيضاء الكبرى ودكالة الواسعة. وقد كانت قضايا التحول في التصور التراكمي جزءًا أساسيًا من هذه المسيرة، من خلال رابطة المستقبل الإسلامي الدعوية التي كان الرميد أحد أقطابها. هذه الرابطة لم تكن تتعجل المشاركة السياسية بل كانت تركز على البناء التربوي قبل الانخراط في العمل الحزبي الذي كان لا يزال في مراحله الأولى.
لقد كان الرميد من الرواد الذين تم الرهان عليهم لتذويب الخلاف آنذاك من أجل الوحدة بين تنظيمين مختلفين في التصورات المرتبطة بقضايا وطنية عديدة، لكن تم تأجيل النظر فيها بدل حسمها بين حركة الإصلاح والتجديد التي كان زعيمها عبد الإله بنكيران من جهة، ورابطة المستقبل الإسلامي التي كان رئيسها أحمد الريسوني من جهة أخرى. ورغم وجود إشكالات وعدم اتفاق حول قضايا جوهرية تلقي بظلالها على تلك الوحدة في مساراتها التنظيمية والسياسية، فإن تلك الخلافات كانت تشير إلى المستقبل السياسي لحزب العدالة والتنمية.
لقد انعكست تلك التباينات في أداء حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية، الذي كان يحمل أطيافًا متعددة، وتصورات متباينة وأحلامًا مختلفة، من بينها الخلافات الحادة مع شخصية بنكيران في مواقفه وطريقة فهمه للأمور. هذه الخلافات أدت إلى اندفاعة كلية نحو الأهداف، كما أنها شهدت انسحاب البعض وترقب آخرين، ما أدى إلى تشققات داخل العمل التنظيمي، ضربت الحزب من داخله وخارجه. وفي هذا السياق، شهدنا الولادة القيصرية لحزب العدالة والتنمية، الذي واجه تحديات كثيرة مرتبطة بالفهم والأداء، بالإضافة إلى تنوع الأشخاص والمواقف داخله.
هذا التاريخ هو الذي يؤطر كثيرًا من خرجات مصطفى الرميد ويلقي الضوء على المشاركة العامة للحزب عندما كان في المعارضة أو حينما قاد الحكومة لولايتين، مع الأزمات التي عصفت ببنيان العدالة والتنمية وأحدثت فيه ثقوبًا من الداخل. ومن هنا، نرى أن مصطفى الرميد كان أحد الوجوه التاريخية لهذه المرحلة، من النشأة والميلاد إلى القوة والظهور ثم النكوص والتدهور والتراجع. فعندما يقدم هذه الرؤية النقدية، يصبح ناقدًا للتجربة، بعد أن وضعت حرب الاختلاف أوزارها، أو كادت. ومن جهة أخرى، هو مسؤول عن هذه التجربة بما لها وما عليها.
لكن الأهم في كل ما حصل من تجارب فشل أو نجاح بالنسبة للعدالة والتنمية هو أن هذه التجارب تعتبر كنزًا وطنيًا ورصيدًا معرفيًا أثرى التجربة السياسية المغربية في فترات من تاريخه. وقد نضجت مواقف رجالات تلك التجارب مع مرور الوقت، مما يجعل هذه التجربة السياسية مهمة جدًا للوطن، بعد أن سكنت إلى حد ما ريح التباين والاختلاف.