المغـرب: رحلة العودة إلى موطن الأجداد …. أيت بلال … إقليم أزيلال

الوطن24/ عبد الصمد إسرى
رحلة العودة إلى الأصل ليست كباقي الرحلات بل هي رحلة إلى الجذور، إلى موطن الأجداد في منطقة أيت بلال بالمملكة المغربية، هناك حيث تتجلى أناقة الناس وحرص الأهالي على القيم الأمازيغية الأصيلة التي تعكس وفاء عميقاً للثقافة الأم وتراث الأجداد.
هذه الرحلة لم تكن ضمن المخططات لكنها كانت دائماً تسكن القلب، إذ إن اسمنا العائلي ظل مرتبطاً بهذه الأرض التي جاء منها جدنا حدو أبلال منذ عهود غابرة.

انطلقنا من دمنات سالكين منعرجات إمي نفري حتى وصلنا القنطرة الطبيعية التي تميز منطقة دمنات والتي تعرف بها على الصعيد الوطني والعالمي. هي جسر طبيعي قاوم لآلاف السنين كما قاوم أجدادي في أعالي الجبال أيام كانوا يقضون ساعات طوال في المشي أو على الدواب، سالكين تلك الجبال الوعرة، مقاومين الشتاء والثلوج والحر، لقضاء أغراضهم في دمنات. إنهم أيت بلال، الأشداء الأقوياء.

تنفسنا الصعداء، مستمتعين بالمناظر الطبيعية الجميلة لمنطقة إمي نفري وأسراب الحمام الذين يلقون التحية على الزوار، كأنهم يقولون مرحباً بكم في مدخل هذه الجبال التي سكنها البشر والديناصورات. هذه الأخيرة ما زالت آثار أقدامها ظاهرة فوق تراب أواريضن، غير بعيد عن إمي نفري سوى ببضع كيلومترات. موقع جيولوجي شاهد على حقبة زمنية، أيام كانوا هم أصحاب هذه الأرض، يصولون ويجولون فيها كما أرادوا.
إلا أن هذا الموقع لم يحظَ بالتعريف الذي يستحقه، سواء في الشق المتعلق بالتسويق أو غير ذلك. بمجرد ملاحظة آثار خطوات الديناصورات، تبادرت إلى ذهني العديد من الأفكار من وحي الخيال. قلت: ماذا لو كانت الديناصورات تعيش بيننا اليوم، لكن بطيبوبة واحترام، وليس بتلك الوحشية التي تذكر في كتب العلم؟ أما نحن فلم نعايش الديناصورات حتى نقول عنهم ما لم نعرف عنهم. كيف ستكون الحياة معهم؟ هل سنستعملهم كما نستعمل الدواب، أو كما روضنا أسود الأطلس وجعلناها تحت أيدينا؟

التقطنا ما تيسر من الصور توثيقاً للحظة وتجسيداً لكوني كنت هنا ذات يوم، رفقة الديناصورات الذين سبقونا إلى هذه الأرض. واصلنا المسير في اتجاه أرض الأجداد أيت بلال. مع ثنايا المنعرجات، يزداد الشوق والحنين.
عندما وصلنا تيزي نوبادو، مركز أيت بلال، لاحظت شبابًا وشابات، فتيانًا وفتيات، متأبطين دفاتر الوجه، المدرسة القرآنية العتيقة التي يُدرَّس فيها أصول تعاليم الدين الإسلامي. للتذكير فقط، كنت في حديث مع أحد الشباب، فأخبرني أن معظم الشباب والشابات، إن لم يكونوا حاملين لكتاب الله، فهم يكونون حاملين لما تيسر منه، وأن أغلب أبناء المنطقة متمكنون من اللغة العربية. كملاحظة فقط، انطلاقًا من تجوالي في معظم مداشر إقليم أزيلال، أجد أن معظم الأئمة خريجو هذه المدرسة العتيقة التي تأوي العديد من الطلاب، بالإضافة إلى الطلاب المحليين الذين يدرسون فيها فقط.

وقفت أمام قمة جبل، حيث كان يقع منزل أجدادي، يطل على منظر بديع يمتزج فيه سحر الطبيعة وعبق التاريخ. تحيط به الجبال الوعرة التي تبدو وكأنها تحتضن المكان بحنان، والوديان المتعرجة تمتد كما لو أنها خطوط الزمن التي تسرد قصص الأجداد. كان المنزل يشرف على هذه البقعة من الأرض، بسيطًا في شكله لكنه يحمل في طياته معاني القوة والثبات، تمامًا مثل الجبل الذي يسكنه. كل زاوية في هذا المكان كانت تنبض بالحياة، تروي حكايات عن شجاعة أجدادي الذين قاوموا الطبيعة واحتفظوا بعراقة تراثهم. في هذا المكان، كان الهواء يملؤه عبير الأرض الطيبة والحرية، حيث كانت السماء تتسع بلا حدود، وتحتضن كل ما فيها من جمال وذكريات.
رحلة العودة إلى الأصل كانت مليئة بالذكريات والمشاعر، حيث المناظر الطبيعية الخلابة والعمران الأمازيغي الأصيل كلها أمور تميز منطقة أيت بلال. من القنطرة الطبيعية لإمي نفري إلى آثار الديناصورات في أواريضن، ومن قصص الأجداد وصمودهم في الجبال إلى شباب المنطقة المتمسكين بقيم الدين والعلم، كانت الرحلة تجسيداً للوفاء للثقافة الأم وربط الماضي بالحاضر. إنها ليست مجرد رحلة جغرافية، بل هي رحلة إلى الجذور، حيث تجد الروح معنى الانتماء، وترتسم صور الأصالة والقيم التي لا تزال تنبض بالحياة في كل زاوية من زوايا أيت بلال.