عزيز رباح والمغرب: من الدفاع عن الدين إلى ركوب قضايا الهوية – جدل سياسي مستمر

في ظل التحولات العميقة التي يعيشها المغرب، تتجدد التساؤلات حول دور القيادات السياسية ومدى صدقها في التعبير عن القضايا الوطنية والاجتماعية. عزيز رباح، وزير الطاقة والمناجم السابق، يبرز كواحد من السياسيين الذين يُثيرون الجدل بخطاباتهم وتحركاتهم. بعد أن سطع نجمه في سياق سياسي متأثر بعودة الدين إلى الواجهة، يظهر اليوم مدافعاً عن الهوية الوطنية عبر خطاب محاربة ما يُسميه “التطبيع مع المثلية” و”إفساد المجتمع”. لكن يبقى السؤال: هل يُعبّر رباح عن قناعاته الحقيقية أم أنه مجرد سياسي يسعى لاستغلال القضايا الراهنة لتحقيق مكاسب شخصية؟

تحولات المشهد السياسي المغربي

المشهد السياسي الذي يتحرك فيه رباح اليوم يختلف جذرياً عن فترة نهاية التسعينيات وبداية الألفية الثالثة، حين كانت القضايا الكبرى المتعلقة بالدين والمرجعيات الثقافية تُلهب الساحة السياسية. في ذلك الزمن، شهد المغرب صراعات حزبية وأيديولوجية واضحة، إلا أن الأحزاب التقليدية تراجعت بشكل كبير. أفول نجم الإسلام السياسي الذي يمثله حزب العدالة والتنمية، وخفوت صوت اليسار بعد التصدعات التي أضعفت الاتحاد الاشتراكي، وغياب القادة الكبار عن المسرح السياسي، كلها عوامل تركت فراغاً أيديولوجياً في المشهد المغربي.

هذا الفراغ استغلته الأحزاب الجديدة، التي، في أغلبها، تفتقر إلى جذور فكرية عميقة وتكتفي بترديد شعارات سطحية. ومع تغيّر موازين القوى السياسية، أصبحت الخلافات حول المرجعيات والقيم أقل وضوحاً، مما جعل الخطاب السياسي أقرب إلى ردود الأفعال المؤقتة بدلاً من أن يكون تعبيراً عن رؤى استراتيجية بعيدة المدى.

موقع المغرب وتأثير التحولات الثقافية

يتميز المغرب بموقع استراتيجي يجعله ملتقى للحضارات والثقافات، مما يضعه أمام تحديات ثقافية واجتماعية مستمرة. هذه التحولات السريعة تُثير أسئلة جوهرية حول الثوابت والمتغيرات في الهوية المغربية. قدرة المغرب على التفاعل مع هذه التأثيرات تبقى مرتبطة بنوعية النخب السياسية وقوة القيم المجتمعية.

وفي هذا السياق، تظهر المبادرات السياسية كتعبير عن هذه التحديات، لكنها غالباً ما تفتقر إلى رؤية شاملة. مبادرة رباح، “الوطن أولاً”، تبدو محاولة لتعزيز الهوية المغربية بمختلف أبعادها، لكنها تظل في طور التجربة. السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستتحول هذه المبادرة إلى مشروع حقيقي يخدم المصلحة الوطنية، أم أنها مجرد وسيلة سياسية ظرفية لاستعادة الشعبية؟

استغلال القضايا أم قيادة حقيقية؟

يرى بعض المراقبين أن عزيز رباح يحاول استغلال القضايا الحساسة، مثل الهوية الوطنية والثوابت الدينية، لاستعادة مكانته في المشهد السياسي بعد سنوات من التراجع. بينما يرى آخرون أن خطابه قد يكون خطوة جادة نحو تعزيز القيم المغربية الأصيلة، خاصة في ظل التحولات الثقافية العميقة.

لكن الواقع يفرض تساؤلات عميقة حول مدى صدق هذه التحركات. هل يمكن للسياسيين المغاربة تقديم مشاريع تعكس التزاماً حقيقياً بالمصلحة الوطنية؟ أم أن خطاباتهم مجرد استجابة مؤقتة لتحولات المجتمع؟

الكلمة الأخيرة

في خضم هذا الجدل، يحتاج المغرب إلى نخب سياسية تمتلك رؤية واضحة وشجاعة حقيقية لمواجهة التحديات الراهنة. خطاب عزيز رباح، وغيره من السياسيين، سيظل تحت مجهر الزمن لمعرفة ما إذا كان يعكس قيماً أصيلة أم أنه مجرد وسيلة لتحقيق مكاسب سياسية آنية.

يبقى المستقبل كفيلاً بالكشف عن النوايا الحقيقية وراء هذه الخطابات والمبادرات، ومدى قدرتها على تلبية تطلعات المغاربة في بناء مجتمع قوي يحافظ على هويته وثوابته.