على هامش محاكمة السيمو… حين تُدين الأمية تدبير الشأن العام في المغرب.

الوطن24/ خاص
يتابع الرأي العام المحلي والوطني باهتمام بالغ فصول محاكمة محمد السيمو، رئيس المجلس الجماعي لمدينة القصر الكبير، المتهم في قضايا تتعلق بهدر المال العام والغدر وخيانة الأمانة، وهي تهم ثقيلة تعكس حجم الاختلالات التي تطال بعض من تولّوا مسؤولية تدبير الشأن العام بالمغرب.
غير أن المثير في هذه القضية لم يأتِ فقط من مضمون التهم، بل مما أثاره دفاع المتهم، حين برّر ما وقع لموكله بكونه “ضحية جهله”، نظراً لـ“أميته وقلة زاده العلمي وهشاشة معرفته”، وهو ما جعله ـ حسب الدفاع ـ غير قادر على التمييز بين الأفعال القانونية وغير القانونية، ولا على فهم القوانين والإجراءات الإدارية.
هذا التصريح، وإن جاء في سياق التماس التخفيف، يفتح الباب واسعًا أمام سؤال جوهري: هل فشلت المنظومة الانتخابية في المغرب في إفراز نخب مؤهلة معرفيًا وأخلاقيًا لتدبير الشأن العام؟
الواقع يجيب بمرارة. إذ تشير العديد من الملفات المعروضة على المحاكم إلى تورّط رؤساء جماعات في اختلالات جسيمة، لا بسبب تعقيد القوانين أو المؤامرات، بل ببساطة بسبب غياب الحد الأدنى من التأهيل المعرفي والمؤسساتي، فضلاً عن تراجع أخلاق النزاهة والمصداقية التي يُفترض أن تُؤطّر العمل الجماعي.
وهنا تبرز الحاجة الملحّة إلى مراجعة عميقة لمدونة الانتخابات، ليس فقط على مستوى التمويل أو الشفافية، بل بإدراج شرط المستوى التعليمي ضمن معايير الترشح، كخطوة نحو ترشيد القرار الانتخابي وحماية المصلحة العامة. فكيف يُعقل أن يُسمح لشخص لا يمتلك شهادة دراسية دنيا أن يُدبّر ميزانيات تُقدّر بالملايين، ويتخذ قرارات مصيرية تتعلق بالبنيات التحتية والصحة والتعليم؟
وقد اقترح عدد من المتابعين والحقوقيين ضرورة سن قانون يُحدد شهادة الباكالوريا كحد أدنى للترشح للمجالس الجماعية، وشهادة جامعية بالنسبة لرئاسة الجهات أو رئاسة الجماعات الكبرى، مع تنظيم دورات تكوينية إلزامية للمترشحين الناجحين في الانتخابات، تُمكّنهم من الإلمام بالقانون التنظيمي للجماعات، وبأدبيات التدبير العمومي والمحاسبة.
كما ينبغي تعزيز دور الأحزاب السياسية في التأطير والتكوين الداخلي لمرشحيها، والقطع مع منطق التزكيات القائمة على الولاءات أو الحسابات الانتخابية الضيقة.
إن الممارسة الانتخابية لا يجب أن تُختزل في صناديق الاقتراع وحدها، بل يجب أن تُؤطر بمنظومة شاملة تضمن الشفافية والنجاعة قبل وأثناء وبعد العملية، وتُفرز نخبًا قادرة على ترجمة إرادة الناخبين إلى تنمية فعلية، لا إلى ملفات أمام المحاكم.
محاكمة السيمو، بما تحمل من دلالات صادمة، ليست فقط لحظة للمحاسبة الفردية، بل فرصة تاريخية لتصحيح المسار. فهل يتحرك المشرع، ويُقرّ إصلاحًا شجاعًا يُعيد الاعتبار للكفاءة والمعرفة في تدبير الشأن العام؟ أم ننتظر محاكمات أخرى لندرك أن الجهل لا يُنتج إلا الخراب، وإن تم التصويت عليه؟