فصائل” الألتراس” والدخلاء”وسطوة الرعب بين “أنصار هابيل” وأنصار قابيل
الوطن24/ بقلم: عبد الفتاح المنطري*
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخر قَالَ لأقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المتقين لئن بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ العالمين إني أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ الظَّالِمِينَ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الخاسرين فبعث اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ في الأرضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءة أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءة أَخي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّـادِمِينَ
شيء يدمي القلوب ويحز في النفوس ذلك الذي جرى قبل أيام بالمدينة الاقتصادية للمملكة، إذ تم قتل شابين بدم بارد بأسلوب ما يعرف بـ “الفيزي” التي تنفجر على هدفها بشكل مروع، في كل من حي مولاي رشيد وحي البرنوصي بسبب خلافات ونزاعات يغلب عليها التعصب الأعمى لناد دون غيره
إن ما يقع أحيانا قبل أو بعد إجراء مباريات تلكم الأندية وما يقع كلما التقت جموع فصيلين متضادين من مشاحنات وقذف وتجريح وسباب بين بعض الفئات من جماهيرهما لمدعاة للتساؤل عمن المستفيد من كل ذلك وعن ضحايا مثل هذه السلوكات التي أقل ما يقال عنها أنها شاذة بل قد تمتد عرضا وطولا إلى مشاجرات جد عنيفة و قتل أحيانا للأنفس البريئة بسوء نية وسبق إصرار وترصد أو بدون ذلك كله دونما الحديث عن تخريب لممتلكات الدولة والمواطن وهو ما يفسر غياب الروح المعنوية الجماعية عند بعض الفئات الجماهيرية وارتفاع منسوب الشوفينية الكروية لديها بالإضافة إلى دوافع وخلفيات سوسيو- اقتصادية وسياسية وتربوية وثقافية
فقد تناسلت منذ فترة من الزمن بين بعض المشجعين والدخلاء على الميدان من فصائل الألتراس، جملة من الألقاب المكرورة المتنابز بها بينهم مع ما تحمله أحيانا حركات اليدين والجسم من حمولات جنسية من قبل البعض تجاه البعض الآخر، وهو ما يعكر صفو الأجواء الحماسية قبل المباراة، أثناءها أو بعد انتهائها، وقد يؤدي كل ذلك بالتالي إلى زيادة معدلات الحقد والضغينة والتحامل المبيت والمقيت بين فصائل المشجعين
ثم إن ترويج “طرولات” أو صور مفبركة على نطاق واسع بين مشجعي الأندية ومقاطع غنائية وشعارات ملغومة وفيديوهات وصفحات موغلة في التعصب الأعمى من قبل بعض الجماهير، مليئة بالسباب والأنانية وتضخم الذات والكذب والبهتان أحيانا والحط من شأن الفريق المنافس ومن كرامة أنصاره وحتى مسيريه ولاعبيه وألقابه، كل ذلك أو بعضه لا يقود إلا لإشعال نار فتنة ملعون من أيقظها
وعليه، ينبغي أن نعترف هنا بأن المقاربة الأمنية لن تكون أبدا عصا سحرية لوقف ما تخلفه مثل هذه المشاحنات بين الجماهير من كوارث نفسية ومادية على الفرق وعلى المجتمع بصفة عامة
فإذا تضافرت جهود الدولة وجمعيات المجتمع المدني بالأحياء التي يقيم بها أنصار الفرق وألويتهم النصيرة من زعماء الألتراس وقدماء اللاعبين وجددهم ونجومهم وقادة الرأي بينهم وحكماؤهم، وكل من له غيرة وخبرة في تدبير وحل الأزمات، إذ ذاك، يمكننا أن نحد قليلا من أحداث الشغب العنيفة أو الدامية مع التأكيد على دور الأسرة والأقارب والجيران ووسائل الاتصال الجماهيري كالراديو والتلفزيون ووسائط التواصل الاجتماعي و خطب الجمعة ودروس الوعظ والإرشاد وندوات وملتقيات دور الشباب في توعية جماهير الكرة والتحسيس بخطورة ووضاعة الألفاظ النابية والأفعال المرتكبة في حق النفس و الغير وأثرها السلبي على الوالدين والأبناء والأسرة والمجتمع ككل، مع العمل المستمر والفعال على الضرب بيد من حديد على شبكات مروجي المخدرات والممنوعات الموجهة للشباب من قبل عصابات تتاجر في تخريب عقولهم وأبدانهم
يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون
فشباب الألتراس المغاربة ينتمون إلى شرائح اجتماعية وثقافية مختلفة وجلهم ينحدر من أوساط شعبية، يتفقون على حب وتشجيع فريق واحد دون غيره، ضحَّوا كثيرا في سبيل مناصرته. أعمارهم مبدئيا في حكم الراشدين، وتتنوع أجناسهم وأعراقهم وأصولهم، متوحدين حول شغف اللعبة الذي يتملكهم، فاختلافاتهم تتوحد وتتقوى لتكون روابط متماسكة ومشتركة. تنظمهم قيم أخلاقية مجتمعية كالوفاء والولاء وحس الانتماء، و مواثيق أخلاقية أخرى يستندون إليها في مبدأ التشجيع. هدفهم تقديم الدعم ومساندة الفريق بأرقى الأشكال وبأفضل الطرق والأساليب الممكنة على الإطلاق، للرفع من معنويات اللاعبين وإثارة الحماس في نفوسهم من جهة، وللتعبير عن الشعور بالمتعة والترويح عن النفس كمسعى ذاتي من جهة أخرى
إنهم الألتراس، متملكو الشغف وروح الحماس والمنافسة وحب اللعبة حتى في جزئياتها – كما وصفتهم خديجة هيصور بمقال نشر بموقع قناة الجزيرة في 12 سبتمبر 2022
“المرء يحشر مع من أحب “
يظهر دورهم في تشجيع ودعم فريقهم رغم عدم الرضا أو الاستياء من جوانب أخرى. تجمعهم علاقة عاطفية قوية بالنادي، وعلى ضوئها تبرز ركيزة أساسية في مبدأ التشجيع وهي: الانتماء؛ فعضو الألتراس يعتبر نفسه جزءا من تشكيلة النادي وهويته، يتشبع بقناعة من خلالها يحس بضرورة تقديم الدعم لفريقه ومساندته، ولذلك أساسا يلقب باللاعب رقم 12
ففي الكثير من الأحيان- تؤكد خديجة هيصور – لا نسمعهم يقولون “لقد فاز الفريق” أو “سيلعب الفريق”، لأن هذه العبارات وأخرى من قبيلها غير معترف بها في قاموس التشجيع، وفي المقابل نسمعهم دائما يرددون “لقد فزنا” أو “سنلعب” أو حتى “لقد خسرنا” في حالة تلقي الهزيمة. هذه العبارات الأخيرة لا تقال من فراغ، بل إنها نتاج للروابط القوية التي تأسست بين النادي وأعضاء الألتراس بتعاقب سنوات الولاء. يشعرون لا إراديا بأنهم عنصر مهم في الفريق وذلك لكثرة تعلقهم به إلى درجة الإدمان
ويتجسد ولاء روابط الألتراس، عموما، في حجم الدعم الذي يقدمونه لأنديتهم في السراء والضراء، في لحظاتها الجيدة كما في ظروفها الصعبة. يعرفون بالانتماء القوي والولاء اللامحدود. غايتهم تأييد النادي وتشجيعه كيفما كانت النتائج. أما الشعور بالانتماء فيتمثل في الإحساس بالانتساب إلى النادي والتشبث به بشدة. وتتداخل في ذلك أيضا مشاعر أخرى كالحب الدائم والوفاء والإخلاص مع الرغبة في تكريسه من خلال تقديم الدعم باستمرار والرفع من معنويات الفريق. ولا يتوقف الشعور بالانتماء عند هذه الارتباطات العاطفية فحسب، بل يتجاوزها ليظهر بشكل يتناسب وهوية النادي؛ فالألوان والرموز والأغاني والشعارات التي تتغنى بها الألتراس هي أساليب تثبت الهوية وتقوي حس الانتماء. فعلى سبيل المثال، فإن الألوان الموحدة التي يرتديها المشجعون تتخللها رسالة مفادها “إننا ننتمي إلى نفس الكيان”، تحيل على تميز الفريق وهويته البصرية
وإذا ما بحثنا قليلا في صفحات التاريخ، سنجد أن ثقافة الألتراس قد انتشرت في العالم العربي بفضل الدول المغاربية. وظهرت أول مرة تحت ما يسمى بـ “الأفريكان وينرز” في النادي الإفريقي التونسي عام 1995، لتنتقل إلى باقي الأندية التونسية ثم بعدها إلى الأندية المغربية. وانتقلت تجربة شمال إفريقيا إلى بعض الدول الآسيوية كالأردن وسوريا، ومن ثم انتشرت ثقافة الألتراس في الوطن العربي وذاع صيتها
في المغرب اقترن ميلاد فصائل الألتراس بسنة 2005، يتعلق الأمر بـ “الألترا عسكري” الذي يساند فريق العاصمة الجيش الملكي، و”الغرين بويز” “والإيغلز” للرجاء البيضاوي ثم “الألترا وينرز” المناصر للوداد البيضاوي ليتوالى بعده ظهور فصائل ألتراس جديدة، وهو ما جعل المنافسة تزداد احتداما بين جماهير الأندية المغربية
وعلى غرار مجموعات الألتراس عبر العالم، فإن فصائلها بالمغرب تعتمد على التمويل الذاتي فيما يخص الرحلات والأنشطة. كما لا تقبل دعما ماليا من جهة معينة. في المقابل تحقق مردودا ماليا من خلال المساهمات الفردية لأعضائها أو عن طريق عائدات مبيعاتها التي تتمثل في الأعلام، القبعات والقفازات، الأقنعة والشارات… إلخ
يعرف ألتراس المغرب باللمسة الإبداعية في ممارسة التشجيع، حيث تتزين المدرجات باللوحات الفنية أو ما يسمى بـ “التيفوهات” التي تضاهي شعارات الجماهير العالمية، وغالبا ما تحمل دلالات ورسوما معبرة أو رسائل مشفرة قد تخرج عن معناها الرياضي، لتكتسي الطابع السياسي والاجتماعي. فضلا عن الشعارات أو الأغاني التي تتغنى بها وترددها بصوت جماعي أثناء المباريات والتي تجاوزت أسوار المستطيل الأخضر لتلقى أصداء وتجاوبا في بلدان أخرى. واليوم لم تعد المنافسة قائمة بين فصائل الألتراس بالمغرب فقط من حيث القدرة الإبداعية والأنشطة الاحتفالية التي تغزو المدرجات، بل إنها تعدت وظيفتها التشجيعية الكلاسيكية المألوفة إلى أدوار أخرى لا زالت مثار نقاش في المجتمع مما يدفعنا إلى إعادة النظر في جوهر الألتراس المغربي وامتداداته
خروج عن جادة الصواب
لكن من المؤسف حقا أن بعض الدخلاء أو من المحسوبين على فصائل الألتراس يفسدون هذه اللعبة الجماهيرية معشوقة الملايين من سكان العالم بتبنيهم نزعة الانتقام وعقيدة الغدر وعشق الدم الحرام، إذ يدبرون أحيانا وبشكل جماعي المكايد لقتل أو تعنيف حليف سابق لهم أو الترصد
لفصائل أخرى معادية لهم
وَمَآ أَنفَقْتُم مِّن شَىْءٍۢ فَهُوَ يُخْلِفُهُۥ ۖوَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّٰزِقِينَ
وبالمقابل، ينتفض قادة وزعماء فصائل الألتراس في وجه مثل هذه الحوادث الخطيرة بإصدار بلاغات التبرؤ مما حدث ودعوة أنصارهم إلى التزام الهدوء والابتعاد عن مواقع المشاحنات والفتن داخل وخارج الملاعب ناهيك عما تقوم به هذه الفصائل على الدوام من توعية أتباعها والقيام بحملات إنسانية وخيرية كالتبرع بالدم ومد يد العون للأسر المحتاجة خاصة في عز أشهر البرد القارس عبر منحهم أطعمة ومشروبات وألبسة مقاومة لسوء الأحوال الجوية بالمناطق الجبلية والنائية بالبلاد
هوس ما بعده هوس، فنسأل الله السلامة
فرغم ما تمنحه تيفوهات الملاعب والتشجيعات الحارة المرافقة لحرارة تمرير الكرة والتهديف وجماليتهما،والتي تبدع فيها فصائل الألتراس من تنفيس شعوري ولا شعوري عن الذات وكسبها مزيدا من القوة والصمود أمام قساوة الحياة،فإن أشد ما نخشاه على أبنائنا ممن لم يؤمنوا بعد مستقبلهم التعليمي والمهني أن تصيبهم مهلكة يوما ما لا قدر الله من قتل أو دونه من اعتقال أو الإصابة بعاهة مستديمة أو إصابات وجروح مختلفة،ناهيك عما يمكن أن يؤثر هذا الهوس الجماهيري بالملاعب على العطاء الدراسي لأبنائنا وضياع مستقبلهم كما وقع للعديد من الشباب اليافعين،فاللهم سلم ونسأله سبحانه وتعالى حسن العواقب في الأمور كلها
حكم عن الاعتدال في مجمل الأمور
الاعتدال خير دواء
لم نشاهد انغلاقاًً شديداًً في دولة إلا رأينا بعده انفتاحاًً غير منضبط لا يقل في ضرره عن الانغلاق، والنتيجة فقد التوازن
الصراحة والكرم، إذا لم يصحبهما الاعتدال، فانهما يؤديان بصاحبهما للخراب
الاعتدال في التعصب فضيلة والاعتدال في المبدأ رذيلة
الخروج عن الاعتدال انتهاك لحرمة الإنسانية
يُعرف الرجل العظيم حقًا بثلاث علامات: الكرم في التصميم، والإنسانية في التنفيذ، والاعتدال في النجاح
*كاتب صحافي