فضيحة تهز المغرب.. أين اختفت 1300 مليار من أموال دعم استيراد اللحوم؟ وهل الحكومة متواطئة؟

في واحدة من أخطر الفضائح الاقتصادية التي هزت المغرب، فجّرت التحقيقات الأولية للفرقة الوطنية للشرطة القضائية مفاجأة مدوية: 1300 مليار سنتيم (13 مليار درهم) من أموال الدعم الحكومي لا أثر لها في الأسواق، بل انتهت في جيوب 18 من كبار المضاربين والمستوردين، بينهم برلمانيون وسياسيون نافذون!

المثير في القضية أن هذه الأموال لم تُمنح لمستثمرين صغار أو تعاونيات فلاحية، بل ذهبت مباشرة إلى حسابات شبكة من المضاربين الذين استغلوا الدعم والإعفاءات الضريبية تحت غطاء استيراد الأبقار والأغنام لتخفيض أسعار اللحوم الحمراء، لكن الواقع كشف العكس: الأسعار واصلت ارتفاعها، بينما تضخمت أرباح هؤلاء “المحظوظين” بشكل غير مسبوق!

إذا كانت الحكومة قد خصصت هذا الدعم بهدف حماية القدرة الشرائية للمغاربة، فمن المسؤول عن فشلها الذريع في مراقبة مصيره؟ كيف يمكن أن تمنح الدولة 13 مليار درهم دون آلية صارمة للتتبع والمحاسبة؟ وأين كانت وزارة الفلاحة، ووزارة المالية، ومكتب السلامة الصحية، والأجهزة الرقابية؟ هل هو مجرد “تقصير إداري”، أم أن هناك تواطؤاً صامتاً يسمح لبعض النافذين بالتلاعب بأموال الشعب دون أي خوف من المحاسبة؟

الفضيحة لم تكن لتخرج إلى العلن لولا التصريحات النارية لـنزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، الذي كشف عن حجم الدعم المهول الذي حصل عليه المستوردون دون أن ينعكس على السوق. أما رياض مزور، وزير الصناعة والتجارة، فقد فضح بدوره وجود 18 مضارباً يتحكمون في سوق اللحوم الحمراء، ويضخمون هوامش الربح بشكل جنوني، في إشارة واضحة إلى أن الأمر ليس مجرد “اختلال إداري”، بل جريمة اقتصادية مكتملة الأركان!

بعد فتح تحقيق رسمي، يبقى السؤال الكبير: هل ستجرؤ الدولة على تقديم هؤلاء “المحظوظين” إلى العدالة؟ أم أن القضية ستُدفن كما دُفنت فضائح سابقة؟ هل سنرى محاكمات حقيقية واسترجاعاً للأموال المنهوبة؟ أم أن لوبيات المال والنفوذ ستنجو كعادتها، تاركة المواطن المغربي وحده في مواجهة الغلاء؟

وبناءً عليه، ينبغي التأكيد أن أي تلاعب يكون قد طال هذا الدعم المقدر بالمليارات، إنما هو سرقة موصوفة لأموال الشعب المغربي، تقع مسؤوليته الجنائية والسياسية على عاتق الحكومة. وعليه، فإن من واجبها أن تكشف عن هوية المتلاعبين، وتفتح تحقيقاً نزيهاً في الوقائع، وتقدم المتورطين إلى العدالة لتقول كلمتها الفصل. كما يجب تفعيل آليات الرقابة الصارمة، حتى يرى المواطنون المغاربة آثار تلك المتابعات على أرض الواقع، بدلاً من الاكتفاء بالتصريحات الرنانة دون إجراءات ملموسة.

غير أن المخاوف تتزايد من تكرار سيناريوهات الفشل في التصدي للمقامرين بمصلحة الوطن، كما حدث في قضايا فساد سابقة، من تبديد الدعم المخصص للمواد التموينية إلى سرقة أموال الصناديق العمومية، والتي كانت في زمن قريب مجرد “مواد إعلامية ساخنة” سرعان ما طُويت دون محاسبة حقيقية. واليوم، فإن كل الأنظار تتجه إلى العدالة باعتبارها الأمل الأخير لإنصاف وطنٍ وشعبٍ لم يعد يحتمل المزيد من التلاعب بمقدراته.