فضيحة صفقات البنيات التحتية بالمغرب: من يحمي المقاول القاسمي ومن هم شركاؤه الخفيون؟

الوطن24/ خاص
ظلّ المقاول القاسمي لعقود الفاعل الأبرز في مشهد الصفقات العمومية المتعلقة بالبنيات التحتية في المغرب، خاصة بمنطقة الغرب وإقليم القنيطرة، حيث تمكن من الاستحواذ على أغلب المشاريع الكبرى بطرق مشبوهة، بفضل علاقاته الوطيدة ببعض المنتخبين النافذين الذين يرأسون مجالس جماعية. هذه الهيمنة لم تكن مجرد صدفة، بل كانت نتاج شبكة معقدة من المصالح المتبادلة، جعلت من هذا المقاول أشبه بواجهة لمنظومة فساد محكمة التنظيم، تعمل على نهب المال العام تحت غطاء “التنمية”.
فساد ممنهج أم حماية سياسية؟
لم تكن سيطرة هذا المقاول على جل الصفقات مجرد نجاح مهني، بل هي نتاج خروقات جسيمة للقانون، تتراوح بين الغش في تنفيذ المشاريع، والتلاعب في دفاتر التحملات، وغياب الشفافية في مساطر إبرام العقود. لكن الأخطر من ذلك، أن هذه التجاوزات تمت تحت حماية مباشرة من بعض كبار المنتخبين، الذين وفروا له الغطاء القانوني ليواصل احتكاره للصفقات العمومية دون حسيب أو رقيب. هؤلاء المسؤولون لم يكونوا مجرد داعمين، بل كانوا شركاء أساسيين في شبكته، يستفيدون من العمولات والتواطؤات مقابل تسهيل تمرير الصفقات لصالحه، مما يجعلهم المتورطين الحقيقيين في هذا الفساد.
هل تتحرك السلطات بجدية؟
في ظل تصاعد الغضب الشعبي والتغطيات الإعلامية التي كشفت عن تلاعبات هذا المقاول، صدرت أوامر عليا بفسخ جميع العقود التي أبرمتها الإدارات والمجالس المنتخبة معه. لكن السؤال الجوهري هنا: هل سيتم الاكتفاء بإسقاط هذا المقاول وحده، أم أن التحقيقات ستطال المسؤولين المنتخبين الذين شكلوا شبكة الحماية له؟ فمن غير المعقول أن يكون هذا الشخص قد استمر لسنوات في السيطرة على السوق دون دعم سياسي وإداري قوي.
برنامج التنمية المستدامة تحت المجهر
من بين أخطر الملفات المرتبطة بهذا المقاول، مشروع التنمية المستدامة بإقليم القنيطرة، الذي بلغت كلفته 840 مليار سنتيم، وهو مبلغ ضخم يثير الشبهات حول كيفية توزيعه ومن استفاد منه. فهل كانت الشركات التي فازت بهذه الصفقات مؤهلة فعلاً، أم أن العقود تم تفصيلها على مقاس مقاولة هذا المقاول وشركائه؟ وما مدى مطابقة المشاريع المنجزة للمعايير التقنية والقانونية؟ وهل تم التدقيق في جودة البنيات التحتية المنجزة ومدى احترامها لدفاتر التحملات؟
شبكة الطرق ومخاطر الإهمال
يرتبط هذا الملف أيضاً بمشاريع البنية التحتية الطرقية، التي يُفترض أن تكون شريان التنمية، لكنها تحولت في عدة مناطق إلى قنابل موقوتة بسبب رداءة الأشغال والتلاعب في المواد المستعملة، مما تسبب في انهيارات متكررة للطرقات والجسور بعد فترة وجيزة من إنجازها. فإلى متى سيظل المواطن المغربي يدفع ثمن فساد الصفقات العمومية، بينما تتلاعب بعض الجهات بالملايير دون حسيب أو رقيب؟
اختبار حقيقي لنزاهة المؤسسات في المغرب
الرأي العام المغربي يتابع هذا الملف عن كثب، ولن يقبل بأن تكون قرارات فسخ العقود مجرد إجراء شكلي لاحتواء الغضب دون محاسبة الفاعلين الحقيقيين. فإذا كان القانون يعلو على الجميع، فيجب أن تشمل التحقيقات جميع الأطراف المتورطة، من مسؤولين منتخبين، إلى موظفين إداريين، وصولاً إلى المقاولين الذين شكلوا شبكات فساد متغلغلة في مفاصل الدولة.
إن هذا الملف لا يطرح فقط تساؤلات حول مصير المشاريع المنجزة، بل يضع المؤسسات المعنية أمام اختبار حقيقي حول مدى جديتها في محاربة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة. فإما أن يكون القضاء حاسماً في كشف المتورطين ومعاقبتهم، أو أن يكون هذا الملف حلقة جديدة من مسلسل الإفلات من العقاب، مما سيقوض ثقة المواطنين في قدرة الدولة على حماية المال العام وضمان نزاهة التنمية في المغرب.