قراءة في فيلم دموع الليل. حينما لا يشاء القدر …

الوطن24/ بقلم: فاضمة نايت خويا لحسن

يتميز الفيلم القصير بالتكثيف والإيحاء؛ لهذا فهو يحتاج إلى كتابة سيناريستية متقنة وعين إخراجية لا تغفل التفاصيل حتى وإن كانت دقائق الزمن في هذا النوع من الأفلام معدودة ومحدودة؛ عين قادرة على إشراك المتلقي- المشاهد وتحريك تفكيره وفتح أبواب التأويل واستنطاق دلالات الصورة والمشهد والكلمة فيه.

كل هذه المميزات نجدها في الفيلم التربوي القصير”دموع الليل” للمخرج “لحسن بوشعيب” وسيناريو عبد الرحيم الفطواكي” لحسن بوشعيب؛ الذي يطالعنا ببداية هادئة: متشرد يبحث ليلا في حاويات الأزبال عن شيء ما يزال صالحا قد يفيده أو عن ما قد يسد رمق جوعه، ويسكت ضجيج الأمعاء الخاوية ولو مؤقتا. ثم بطريقة ما تأتيه “بيتزا” من أحدهم، فيسرع ليتشارك هذا الرزق مع صديقه التائه الآخر الذي ينام على رصيف شارع المدينة متوسدا عناه، يلتف ببرد المساءات والليالي المظلمة.

من هنا تبدأ الحكاية لكن ما بدايتها الحقيقية؟ هل يولد الإنسان متشردا؟ هل يختار التشرد أم أن العكس هو الصحيح؟ إننا نرى العديد من هؤلاء الناس في الشوارع والأزقة والأسواق…ألا يجدر بنا السؤال: ما الحياة التي يخفيها التشرد؟ ما أسباب هذه الظاهرة التي ألفناها لتصبح واقعا عاديا..؟ هي أسئلة كثيرة تنبثق وتحاول دقائق الفيلم أن تجعلنا نلامسها ونفكر فيها.

إذن كيف كان هذان المتشردان فيما مضى من حياتها؟ ما الذي أرسى بهما على أرصفة شوارع التهميش والمعاناة؟ هل فكرا يوما أن مصيرهما سيكون على هذا النحو؟ من منا ظن ذات يوم أن الحياة ستنتهي به معزولا بئيسا، هائما على  وجه النسيان..؟ طبعا لا أحد، كلنا نعتقد أننا بعيدون كل البعد عن هذه الوقائع بل ونكتفي إذا ما صادفنا هذه الفئة بتوزيع نظرات الشفقة عليها، أو الخوف منها لكن لا نتخيل أنهم أناس كانوا مثلنا أو أفضل منا يعيشون بهدوء، إننا نستبعد فكرة أن الأحوال تتغير بين ليلة وضحاها لتلوح بعيدا  بسكينتنا التي ألفناها، فتجعل منا نماذج بشرية لم نخمن يوما – ولو مزاحا – أننا سنكونها، فيضيع الإستقرار وتضيع معه معاني الحياة والحلم، لكن هل للحلم بقية ؟

إن فيلم “دموع الليل” يلقي بك كمشاهد في متاهة هذه التأملات بالأداء المتقن لممثليه، بالإضافة إلى حبكة الأحداث وتناسق المشاهد واللقطات، إن عنوان الفيلم مسجور بالدلالات إذا ما حاولنا التعمق في خباياه؛ فالليل حيز زمني يعتبر ملاذا للنفس التواقة للأمان والراحة بعد تعب النهار وضجره، وهو في المقابل كذلك زمن الشكوى والحنين والنوستالجيا، زمن بكاء المقهورين … هو إذن زمن له وقع على نفسية الإنسان بل إن وقعه يمتد ليطال الطبيعة وعناصرها… ما جعله تيمة استهوت الشعراء والأدباء والسينمائيون والفنانون عموما.

عندما نربط العنوان بمحتوى الشريط تتفجر كل هذه المعاني المذكورة وغيرها لتؤتت مشاهد الفيلم؛ التي تأخذنا إلى عالم الشارع وعوالم التشرد بحثا عن خلفياته التي لا نراها وبالتالي ” لا يأتي متشرد من فراغ” …

ها هما (نبيل، وسعيد) يتناولان البيتزا مصحوبة بالزمهرير، الحوار دائر يكشف معاناتهما ليكون الجري ليلا في شوارع المدينة حلا لنسيانها واتقاء برودة الأرصفة، لكن الكتاب الذي لم يفارقه (نبيل) يوما يسقط من يديه ليسقط معه الزمن ملقيا بنا في الماضي: ماضي الشخصيات : تلميذان كانت لهما أحلام جميلة “أريد أن أكون كاتبا” إجابة تلميذ عن سؤال أستاذه “ماذا تريد أن تكون عندما تكبر؟ ” جملة لطفل حالم طموح يحمل نظرات متفائلة لغد قريب /بعيد، لا يدري ماذا تخبئ له الأيام بعد وفاة والديه في حادث سير، لقد خبأت له حياة التشرد لكن مع حب مستمر للكتاب والقراءة أوأدته حادثة سير أخرى شاءت الصدف أن تتحمل “ليليا” زميلة الدراسة -التي زرعت هذا الحب- أوزارها وسط دموع ليل بهيم .

 رغم “دموع الليل” فنهاية الفيلم تفتح أبواب الأمل إذ تسرب روح الحلم إلى روح “سعيد” الذي انعتق بفضل “ليليا” من متاهة الضياع.