كفوا عن بيوت الله صبيانكم إن كان هذا صنيعهم.

الوطن24/الباحث بوقنطار محمد 

يظل العبد في رغب وطلب وتضرع ورهب مخافة أن لا يُمهَلَ أَجَلًا فلا يدرك نفحات هذا الشهر المبارك، حتى إذا مَنَّ الله وتفضل جلّ جلاله، وخاض العبد مع الخائضين بتوفيق من الله تعلوه همة ونشاط وفورة إيمانية ليس لها في سيرته مثيل ولا نظير في سابق شهور السنة كلِّها، وتلك من بركات هذه الأيام المعدودات الطيبات المباركات.
وإن القلب لينشرح، وإن الخاطر لينفرج، وإن الوجدان لتمتلكه فرحة ونشوة انتساب والعين ترى ذلك الازدحام والتقصف، الذي تشهده مساجد المملكة الشريفة من طنجة إلى الكويرة، قد بلغ المنى من هذا التقصف والازدحام أن يصلي المرء صلاة الدلجة ـ ذات الصفوف المعدودة دون أصابع اليد الواحدة على المعهود ـ خارج بيت الله يفترش سجادته في حوش المسجد الذي ضاقت أركانه على غير المعتاد المألوف من ضيوف الرحمن في صلاة الفجر فسبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك آمين.
وفي ظل هذا المناخ الإيماني تسجل مساجدنا في هذا الشهر ظاهرة فجة مقرفة، تلك هي ظاهرة لعب ولهو وتشغيب وعبث واستهتار ونزق أطفال يفدون فضاء المسجد وقت صلاة العشاء والتراويح إما بمعية آبائهم أو لوحدهم فيعيثون في المسجد تشغيبا وفوضى وقهقهة وضربا ولعبا وعدوًا وجريًا وركضًا… مما يُذهب البقية الباقية من مطلوب ومرغوب خشوع قلوبنا والقرآن يُتلى غضا طريا، قد تسمع في هذه الليالي العطرة الآية وكأنك تسمعها لأول وهلة، من فرط الحضور وتحقيق شهود مشهد المنة لولا هذا العارض الصارف المقرف.
فيا أيها الآباء المريدون أو الواقرون في البيوت تحت أي سبب وطائلة وقد تناهى إلى سمعكم إخبارا أو معاينة أو نقلا ورواية عن الذي يقارفه الأبناء والصبيان في بيوت الله والناس واقفون بين يدي الله، أمسكوهم وعلموهم قداسة الصلاة واضربوهم حال المخالفة، ولقنوهم مبكرا أن لمساجد الله حرمة وتوقيرا وتعظيما وتبجيلا، فإنه إن كان القلم مرفوعا عن صبيانكم حتى يبلغوا ويعقلوا، فإنه غير مرفوع عن جنابكم متى ما تكرر من أبنائكم عين الصنيع ثم تكرر منكم على إصرار وتغافل عين الاصطحاب الشنيع، نسأل الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه آمين.
وليس في هذا الاستدراك ما يخالف منهجا نبويا قد نشأ فيه صبية الرعيل الأول يدينون لله بالاستقامة، إنّما جاء مقيّدا بضرره وقد تقرر في القواعد أن الضرر يُزال، وإلا فالأصل ترغيبهم وحضهم بالحسنى وجميل الخطاب وبديع الاستدراج وعظيم الاصطبار على أن تكون صلتهم بخالقهم عبر واسطة الصلاة قد نضج زرعهم في حقلها مبكرا واستوى على سوق تعظيمها وتوقير بيوت إقامتها وجودُهم فيها منيبين مخبتين يقدرون قدرها ويشعرون بهيبتها، ويُثمنون عمادتها كأصل أصيل وركن ركين من أركان الإسلام، وتلك سيرة مشروع الأخيار المستظلين بظل عرش الرحمن كما جاء في الرواية الصحيحة عن سيد المربين عليه الصلاة والسلام وقد ذكر من أولئك السبعة: “وشاب نشأ في طاعة الله” جعل الله أبناء المسلمين من هذه الطينة المباركة جنسا ونوعا آمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *