لست عدميا.. ولكن.. (تعليقا على قضية سليمان الريسوني)

الوطن 24/ بقلم: مصطفى الحسناوي (السويد)

أنا لا أصنف نفسي معارضا، إذ أنني أصفق لكثير من قرارات السلطة، لدرجة أن البعض يتهمني بأنني “عياش”.
ولكن..
يمكن أن أكون أكثر راديكالية من الراديكالية نفسها أيضا.
لا تحكمني التزامات أو أجندة، ولست ملزما بالتقيد ببرنامج حزب أو تعليمات تنظيم، أو رأي أغلبية أو قرار زعيم… كل قراراتي ومواقفي مستقلة وحرة ونابعة من تقديرات شخصية، قد تصيب وقد تخطئ.
ولكن الجميل فيها أنه يسهل علي التراجع عنها إذا ظهر لي خطؤها، دون أن أكون في حاجة للتبرير لهذه الجهة أو تلك.
منذ يوم أمس يسألني عدد من الأصدقاء والقراء والمتابعين، لماذا هذا التضامن السريع مع الصحافي سليمان الريسوني، دون تأكد هل هو برئ أم مدان؟
ألا يمكن أن يكون هذا الصحافي متورطا فعلا في جريمة أخلاقية؟
هل فقط لأن الجاني أو المتهم صحافي ينبغي التضامن معه في كل مايتورط به؟
وهل قلمه أو صوته، هو بمثابة الحصانة، التي ينبغي أن تبعد عنه كل متابعة؟
ولماذا لا نكتفي بالدعوة لمحاكمة عادلة؟
أليست هذه عدمية؟
الحقيقة أنها أسئلة سليمة وجيدة ودقيقة، وأنا بدوري أطرحها وأتبناها جملة وتفصيلا.
ولكن..
نعلم جيدا أن الأساليب التي تلجأ لها السلطات لإخراس الأصوات المزعجة، تنوعت وتعددت، صحيح أنه في بلادنا تم القطع والحمد لله، مع الاختطاف والإخفاء والقتل، وأننا تجاوزنا بسنوات تقطيع جثث المعارضين وتذويبهم بالآسيد أو حرقهم في الأفران.
ولكن..
لازلنا نراوح مكاننا مع أساليب طبخ الملفات، وفبركة التهم، من الممكن أن لاتكون هناك اتهامات من فراغ، أو دخان بدون نار.
ولكن..
من المؤكد أن هناك فخاخ تنصب، ومشتكون أشباح، وشهود زور… وهكذا تصبح القضية جاهزة، ثم بعد ذلك تبدأ حملة إعلامية منسقة، من أجل الإجهاز على آخر نفس للضحية، بكل الأساليب غير الأخلاقية، بعد أن تكون التهمة التي تم انتقاؤها بعناية، قد لطخت سمعته، صحيح أن التهمة ما لم تقم عليها أدلة وحجج، وما لم تدعم بشهود صادقين، تبقى مجرد اتهامات فارغة، حتى لو قضى الإنسان بسببها السجن ظلما وعدوانا.
ولكن..
هناك تهم تقتلك معنويا، تحطمك نفسيا، تلطخ سمعتك اجتماعيا، تهم خرجت من مختبرات الشياطين، وباقتراح منه، لأنها لا يمكن أن تخطر على بشر، إنها تهم الإرهاب والفساد الجنسي والخيانة ودعم الانفصال، هي تهم الغرض منها تلطيخ السمعة والقتل المعنوي، وتنفير الشعب ممن ألصقت به. يصبح الشخص فجأة إرهابيا أو شاذا أو بيدوفيليا أو مغتصبا أو خائنا لوطنه، فيتم قتله معنويا.
نرجع للأسئلة التي طرحناها في بداية هذا المقال.
شخصيا حين أتضامن مع مثل هذه الحالات، فأنا لا أفترض أبدا براءة المعني بالأمر، ولا تورطه، لا أكذب ولا أصدق،لست قاضيا لأصدر أحكاما.
ولكن..
موقفي نابع من رفض أساليب القتل المعنوي هذه، أنا أتضامن احتجاجا على هذه الأساليب التي أعتبرها دنيئة، ولا تليق ببلدي، تضامني هو نوع من الاحتجاج، على أسلوب الإيقاع بأصوات التغيير والإصلاح، بهذه الأساليب، وتلطيخ صورتها وسمعتها بهذه الطريقة، وقتلها معنويا، وتدميرها نفسيا.
في الحقيقة أنا أحتج على الأسلوب، الذي لا يقل بشاعة عن القتل وتقطيع الجثث وحرقها.
بالإمكان الاكتفاء بالمطالبة بمحاكمة عادلة، وانتظار أن يقول القضاء كلمته.
ولكن..
كلنا يعلم حال القضاء، وحال العدالة، كلنا يعلم المكاييل المتعددة التي يتم التعامل بها في توقيف المدانين والحكم على المشتبه بهم، والأحكام التي تصدر.
لو أن الدولة تراقب الجميع وتترصد الجميع، وتعتقل كل من تورط في أي نوع من أنواع الفساد، لما كان لاحتجاجنا واعتراضنا أي معنى.
ولكن أن يتم تطبيق القوانين (على علاتها) بهذه الانتقائية، ويتم استغلال ثغراتها لتصفية الحسابات، ويتم غض الطرف عن المرضي عنهم، فهذا ما لايمكن القبول به، ولهذا شخصيا أتضامن محتجا، وآتعاطف مستنكرا، وأدافع منددا.
لانريد إلا مساواة حقيقية أمام القانون، وحرية كاملة غير منقوصة، وضمانات تحفظ الكرامة والحقوق.