النموذج الفريد الثاني “أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنهما”

الوطن24/بقلم: محمد بوقنطار* 

#الموقف الأول

لكل دين خلق، وخلق الإسلام الحياء، ولا شك أن الحياء يهدي إلى العفة، كما أن العفة تحفظ الكرامة، وحفظها يضمن للكريم عيش المعنى الحقيقي للحرية، إنها سلسلة ذهبية الحلقات يجر بعضها بعضا في غير انفكاك، فمتى ما سقطت حلقة من سياق التشاكل الناظم انصرم عقد الحياة الطيبة، واختل ميزان العدل وتسفل معيار الفضل إلى درك سحيق…
إنها المعاني المتسامية التي نشأت عليها المرأة وتربت على عراها وسط جماعة تدين لله بالاستقامة، وهي المعاني التي مثلت فيها أمهات المؤمنين النموذج الفريد في مقام القدوة، فهذه عائشة حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم تستدرك على الرحمة المهداة وقد استشكلت لعرضها حتى في ذلك الموقف الرهيب وهو يحدثها عن الحشر، وكيف أن الناس سيحشرون حُفاةً عُراةً غُرْلًا فتقول عاطفة على كلامه في اهتبال وخشية: يا رَسولَ اللَّهِ، الرِّجالُ والنِّساءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ؟ فقالَ: الأمْرُ أشَدُّ مِن أنْ يُهِمَّهُمْ ذاكِ.
نعم حتى في ذلك المشهد الذي يفر فيه المرء – لشدة صاخته، ولغنيته يومئذ بشأنه – مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وبنيه، تستبرئ الطاهرة العفيفة البريئة المبرأة لعرضها وحمى بدنها الشريف.
ولك بعد هذا أن تفتح نافذة الواقع الحالي الموبوء لتطل من خرقها الرباعي الأضلاع، على نكبة شوارعنا، ومأساة أزقتنا وأسواقنا مع العري والسفور، والتمسلخ بمسلاخ قلة الحياء، التي وصل نكدها بكسر ذكوري أن يتتبع خلفية زوجه ومؤخرتها المتكشفة في مسخ طافح ومنظر خادش للحياء ، يصورها هذا البعل الذكر الديوث ليضعها في ماجريات “اليوتيوب” تدويلا للفضيحة ونشرا للرذيلة، واستفزازا لشهوات مستعرة في صدور الناظرين، يتمنى هو أن يجاوز عددهم المليون ناظر ليجني سحت القِوادة، ألا بئس التمني، ألا ساء التسفل والتدني، ألا اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاء ما يكلمهم، و”إنا لله وإنا إليه راجعون”

#الموقف الثاني.

رُوي إبان حادثة الإفك وفي خضم أتون فتنتها الهالكة أن أبا أيوب خالد بن زيد قالت له امرأته أم أيوب: يا أبا أيوب، أما تسمع ما يقول الناس في عائشة رضي الله عنها؟ قال: نعم، وذلك الكذب، أكُنْتِ فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت: لا والله ما كنت لأفعله، قال: فعائشة والله خير منكِ”.، والحقيقة أن باب الرواية في مقام تبرئة حبيبة رسول الله قد ترادفت على رفه الشواهد تلو الشواهد، إلى أن زكّى القرآن وحسم ودحض ونسف إفك الأفاكين، وأعظم بها من تبرئة سماوية المصدر ربانية الملفوظ..
وإنّها لشهادة جمعت بين الفضل والعدل الإلهي لسيدة تحكي عن نفسها كما حدثنا : ‏ ‏حماد بن أسامة ‏، ‏قال : أخبرنا : ‏ ‏هشام ‏، عن ‏ ‏أبيه، عن ‏ ‏عائشة، ‏قالت: ‏ ‏كنت أدخل بيتي الذي دفن فيه رسول الله ‏ (ص) ‏ ‏وأبي فأضع ثوبي فأقول : إنما هو زوجي وأبي ، فلما دفن ‏ ‏عمر ‏ ‏معهم فوالله ما دخلت إلا وأنا مشدودة علي ثيابي حياء من ‏ ‏عمر.
يا الله عمر الميت يا عائشة ! يا ليت شعري لو أنك بين ظهرانينا أيّتها العفيفة والزمن زمن صيف، والمكان مكان مصيف وقد ضاق الشاطئ على رحابة وشساعة رماله الذهبية بركام من النساء العاريات عري قد قل نظيره حتى في حياة الجاهلية الأولى، أو حتى في الحياة البدائية في أدغال إفريقيا !!!
إنه نموذج أخلاقي فريد، وسيرة عطرة لسيدة من سيدات الجيل الفريد عاشت رضي الله عنها في كنف بيت النبوة، وتلكم واحدة من قدوات نسائنا في العلم والأخلاق والسلوك، حقيق بهن إن هن كن يردن حسن العاقبة ويرُمن النجاة في الدنيا والآخرة، وعرفن الغاية من خلقهن، وأنّها محض العبودية التي تُنافي الهوى وتُجافي المعصية وتُعادي استعبادهما لناصية المرأة وجسدها، بل تنأى بها بعيدا عن هذا الصراع المفتعل، الذي يريد منه رواده ومخرجوه الزج بالمرأة المسلمة في بحر لجي تغشاه أمواج الشبهات وتعلوه ظلمات الشهوات، وإنما مزاعم التحرير ودعوى الحرية تتكشف على محك الابتلاءات لنقف نحن وإياها أما وأختا وزوجا وابنة على حقيقة هذه المزاعم وهذا الضجيج الملحون الشكاوى، وأنها فعلا حرية، ولكنها حرية عبرها يتسنى ويتم الوصول إلى جسد المرأة دون أدنى لوم أو محاسبة لمعشر المتهارشين على عرضها وكيانها ومنزلتها غير المنفكة عن صفات الطهر والأمومة ليست العازبة طبعا، وإنما الأمومة المكرمة الطاهرة النقية في كنف الشريعة الغراء، والزوج الكريم الفاضل الغيور على عرين أسرته، صاحب القوامة بالمعروف، الحسن التبعل…

*باحث 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *