نهاية المنهجية الوطنية!

الوطن24/ بقلم: جمال فزة


يحتاج المغرب، اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى أسلوب جديد في ممارسة السياسة، يعيد الاعتبار للسياسة باعتبارها فنا لتدبير العيش المشترك بين المواطنين داخل مجالات ترابية محددة (المدن والجهات أساسا)، ويحتاج في غمرة ذلك إلى إعادة تعريف عدد من المفاهيم المركزية التي تنبني عليها الديمقراطية، وضمنها مفهوم الديمقراطية نفسه.


توضيح لا بد منه: “نهاية المنهجية الوطنية” عبارة لا نعني بها نهاية مفهوم الوطن، بل نهاية أسلوب في ممارسة السياسة، يبدو لنا أنه فقد مخزونه التأويلي ولم يعد لديه تاريخيا أي جدوى، اللهم تعميق الهوة بين الدولة والمجتمع وخلق مناخ من عدم الثقة بينهما؛ وهما عاملان يبعثان على اليأس ويسحبان المجتمع إلى ساحة العنف.


نعني بالمنهجية الوطنية تقديم الدولة على المجتمع وتأجيل المطلب الديمقراطي لصالح بناء الدولة. اتخذت هذه المنهجية دلالاتها القوية داخل البلدان التي تعرضت للاستعمار؛ حيث ارتبطت السياسة بشعار عام: “الانتقال من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر” ما يعني أن مؤامرات النيل من استقلال المغرب ستظل متواصلة حتى بعد نيل المغرب لاستقلاله، بل ستتعاظم المؤامرات ويكبر التحدي ولعل هذا ما سيتطلب من الجميع التحلي باليقظة والحكمة والتبصر والتريث والصبر.


حكمت هذه المنهجية ظروف نيل المغرب لاستقلاله وحيثياته، واقتنع الكل (الملك والأحزاب الوطنية) بأولوية تحصين “الدولة الفتية”. وكان القمع المبارك من طرف الجميع  والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان نصيب من مال عن هذه المنهجية إلى غاية خوض المغرب غمار تجربة “الإنصاف والمصالحة”. وفي عام 2002، الذي كان، بنظر الاتحاديين، عام التراجع عن المنهجية الديمقراطية، خرج اليازغي يتحدث عن أولوية “تحصين الديمقراطية الفتية!” باعثا الروح من جديد في المنهجية الوطنية.


هذه الحكاية انتهت! وإذا ظلت الأحزاب السياسية في المغرب متمسكة بها وتستمد منها مشروعيتها، فستتحول إلى مؤسسات بدون روح، وستعمق من عزلتها عن المجتمع وبخاصة الشباب. والمحصلة في نهاية المشوار دولة معزولة عن المجتمع، تبحث عن هيبتها في ضعف الناس وجهلهم، وتستثمر في الخوف؛ أي تستمد قوتها من خوف الناس وحاجتهم إلى الأمن، وتجد ضالتها في خطاب الوصاية الذي يدبجه بعض الزعماء “الإسلاميين” الذين باعوا أنفسهم لسلطان المال، ونجحوا في جر عدد من خيرة الشباب المغربي وراءهم مستغلين فقرهم وقلقهم على هويتهم المغربية الأصيلة وشعورهم بالخوف من المستقبل وبعدم الأمان.