هل تحوّلت حرية التعبير في المغرب إلى سلاح بيد الأقوياء فقط؟

في مشهد سياسي يزداد احتقاناً، يطرح الشارع المغربي أسئلة ملحّة بعد التصريحات النارية التي أطلقها رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بنكيران، والتي وصف فيها رئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش بـ”الشفار” أمام الملأ، دون أن تتبعها أي متابعة قانونية. هذا الصمت المطبق من طرف الجهات المعنية فتح الباب أمام التأويلات، بل وزاد من اتساع هوّة فقدان الثقة بين المواطن العادي ومؤسسات الدولة، وعلى رأسها العدالة.

إن ما قاله بنكيران يدخل، من منظور القانون، في خانة القذف العلني. ولولا أن صاحب التصريح شخصية معروفة، لربما تحركت النيابة العامة من تلقاء نفسها، كما يحدث مع الصحافيين والنشطاء الذين يُتابَعون على تدوينات أو تعابير أقل حدة. فهل نحن أمام “حصانة غير مكتوبة” تحمي بعض المسؤولين الكبار من الوزراء أو المنتخبين والمسيرين الحكوميين وبعض أصحاب الامتيازات والجامعين بين المال والسلطة؟ كل هؤلاء وغيرهم من أصحاب النفوذ، هل فعلاً فوق القانون؟

رجال الإعلام، في المقابل، يعيشون وضعاً مختلفاً تماماً. فكلمة واحدة أو عنوان صحفي قد يجر صاحبه إلى المحكمة، بل وإلى السجن، في حالات متعددة. الصحافي يظل الحلقة الأضعف، يُحاسب بقوة القانون، بينما يُترك البعض من أصحاب النفوذ يصولون ويجولون دون أن تطالهم المحاسبة.

هناك أمران يجب أخذهما بعين الاعتبار: التشهير جنحة يعاقب عليها القانون، لكن من جهة أخرى، دور الصحافة والإعلام عموماً هو فضح الواقع دون تجني. وأنّ ذوي المسؤوليات المرتبطة بالشأن العام والمحلي يجب متابعتهم ومراقبة قضايا التدبير لديهم. والإعلام يمثل في هذه الحالة السلطة الرابعة التي تفرض على القضاء فتح تحقيقات تتعلق بما تتضمنه الكتابات الصحفية والتصريحات والندوات من اتهامات، وفحصها في ميزان العدالة. إذ قد تكون هذه الاتهامات حقيقية، وقد يكون بعض منها واقعياً.

هذا الواقع يطرح إشكالية جوهرية: هل حرية التعبير في المغرب مكفولة للجميع؟ أم أنها أصبحت امتيازاً طبقياً؟ إذا كانت العدالة فعلاً مستقلة، فإن صمت أخنوش عن مقاضاة بنكيران يثير الريبة. فإما أن رئيس الحكومة الحالي يخشى التصعيد وكشف ملفات قد تحرجه، وإما أنه يرى أن الرد السياسي أهم من الدخول في متاهات قانونية قد تعيد بنكيران إلى واجهة المشهد بشكل أقوى.

لكن في كلتا الحالتين، المواطن المغربي لم يعد ساذجاً. هو يلاحظ، ويقارن، ويحتفظ بأسئلته: لماذا يُتابَع الصحافي ويُترك بعض المسؤولين الكبار من أصحاب النفوذ؟ لماذا يتم إسكات الناشط ويُسمَح للجامعين بين المال والسلطة بالكلام دون حدود؟ والأخطر من ذلك، أن هذا التمييز قد يؤدي إلى فقدان هيبة القانون نفسه، إذا لم يتحرك القضاء لإعادة التوازن، وتأكيد أن لا أحد فوق القانون، مهما كانت مكانته أو ارتباطاته.

الأيام المقبلة ستكون كاشفة. وإن استمر الصمت، فإن المغرب مقبل على مرحلة سياسية وإعلامية جديدة، عنوانها: ازدواجية المعايير في تطبيق العدالة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *