هل ما زال وليد الركراكي هو الرجل المناسب في المكان المناسب؟

الوطن24 / بقلم: عبد الهادي العسلة
منذ أن تولى وليد الركراكي قيادة المنتخب الوطني المغربي، بدا الرجل في صورة المدرب القريب من اللاعبين، المتحدث بلغة المغاربة، والعارف بخبايا المنتخب وتفاصيله النفسية والثقافية. نجاحه في مونديال قطر 2022 لم يكن عادياً، فقد أهدى المغاربة لحظة وطنية نادرة، وكتب اسمه في سجل الإنجاز الكروي بمداد من فخر.
لكن وهج الماضي، مهما كان ساطعاً، لا يمكنه أن يحجب أسئلة الحاضر، خاصة حين تبدأ علامات التراجع في الأداء بالظهور، وحين تبدأ اللغة التي يتبناها المدرب في اللقاءات الصحفية تميل إلى الحدة، وربما التعالي. ففي أكثر من مناسبة، لم تُخفِ تصريحات الركراكي نفوراً واضحاً من النقد، وكأن مساءلة قراراته الفنية خروج عن النص، أو تعدٍّ على صلاحياته.

من حق المدرب أن يدافع عن اختياراته، لكن من واجبه أيضاً أن يقدّر الرأي الآخر، وأن يفهم أن المنتخب الوطني ليس ملكية خاصة، بل مشروع جماعي يحمل فيه كل مغربي قطعة من القلب. وعندما يقول الركراكي، دون تردد: “ما تلقاوش حسن مني” أو “أنا عندي الديبلومات”، فإنه يحوّل النقاش إلى معركة شخصية، ويبتعد عن جوهر المهمة الوطنية التي تتطلب الإصغاء والمرونة لا الغرور والمجابهة.
خروج المنتخب من كأس إفريقيا على يد جنوب إفريقيا، رغم وفرة المواهب والبنية التحتية والدعم الجماهيري والمالي، فتح الباب أمام تقييم موضوعي، لا يُلغيه رصيد الإنجازات السابقة. فما نملكه اليوم من جيل كروي استثنائي، وإمكانات غير مسبوقة، لا يسمح بإهدار الفرص، خاصة ونحن على أبواب استضافة العرس القاري لأول مرة منذ 1988.
المغاربة لا يطلبون المعجزات، بل فريقًا بهوية واضحة، واختيارات منصفة، وروح جماعية تحترم الاجتهاد وتكافئ التطور. يريدون مدربًا يتقدم بثقة، لكنه لا يتردد في مراجعة الذات. فالتاريخ لا يخلد عدد التمريرات، بل لحظات الفرح الكبرى، والألقاب التي تبقى، حين يُنسى كل شيء آخر.
ومع كل هذا النقد الصريح، أثمّن عالياً الطاقة الإيجابية التي يتحلى بها وليد الركراكي، وأُسجل بفخر كتلة الابتهاج التي أتقنها وليد ذات مونديال خلد اسمه بمداد من الاعتزاز. فالمغاربة شعبٌ أبيّ، لا ينسى من كان سبباً في صناعة الفرح لديه. هذا المسار من العطاء، وهذه الغيرة على القميص الوطني، تكرّس نهج الاستمرار في التألق، كما لفتت الانتباه إلى ميلاد روح رياضية جديدة تتوهج بالنصر الموعود.
المنتخب المغربي اليوم في مفترق طرق. إما أن يتحول إلى نموذج رياضي جامع، يُدار بتعقل وتخطيط ورؤية، أو يسقط في فخ الحسابات الفردية والتقديرات الذاتية. والركراكي، رغم كل شيء، لا يزال يملك فرصة إعادة بناء الجسر بينه وبين الشارع المغربي، شرط أن يعيد النظر في بعض اختياراته، وفي طريقة تفاعله مع النقد، لأن المنتخب أكبر من أن يُدار بمنطق “أنا وحدي نْقَدّر”.
تعليق ختامي:
ليست الغاية من السؤال النيل من الرجل، بل فقط وضع اليد على الجرح، لأن المرحلة القادمة لا تقبل المجاملة ولا الخطأ. ففي كرة القدم، لا أحد يبقى في المأمن من المساءلة، ولو كتب المجد ذات يوم.